المصلحة تحتم أن نعبر الأزمة بسرعة، كرامة الصحافة جزء من الكرامة الوطنية، ولكن لا جدوى للتصعيد والتهديد بتسويد الصفحات، أو وضع شارة سوداء أو حتى التوقف عن الصدور، فالخاسر فى هذه الأحوال هم الصحافة والصحفيون، وإذا لم نعترف أن الرأى العام غاضب منا، نكون كمن يضع رأسه فى الرمال، فالمشاكل لا تدار بالشعارات وتأجيج الغضب، وإنما بالهدوء والعقلانية والوقوف عند محطة الوفاق وليس الشجار.
أولا: اتسم بيان اجتماع الجمعية العمومية بالانفعال الزائد، واستخدم القوة الحماسية المفرطة، فى وقت يجب السعى فيه إلى لم الشمل ورأب الصدع، وحينما أصرت القرارات على عزل وزير الداخلية واعتذار الرئاسة، وضعت العقدة فى المنشار، لأن الدولة إذا استجابت لذلك- وهو أمر مستحيل- تضع رقبتها تحت مقصلة مطالب لا تنتهى من هذا النوع لفئات أخرى كثيرة، وترسخ سياسة لى الذراع لتحقيق المطالب، وكان على مجلس نقابة الصحفيين أن يدرك أنه يدس أنفه فى عمل من أعمال السيادة الذى تمارسه الدولة ولا يمكن إجبارها عليه، والحل هو عدم التلويح بمثل هذه القرارات المتشددة للخروج من المأزق.
ثانيا: أسفت أشد الأسف عندما تحدث بعض أعضاء المجلس عن القوائم السوداء.. تانى.. ألم نشبع سوادا وإقصاء وعزلا وتصفية حسابات، حتى يجيئ المجلس الموقر ويلوح بأسوأ أسلحة التصفية فى التاريخ، والتقطت بعض مواقع التواصل الاجتماعى الإشارة، وبدأت فى أدراج خصومها، لدرجة أن بعضها وضع اسم استاذنا الكبير مكرم محمد أحمد، الذى يجب أن نصنع له تمثالا من الوفاء والثناء، لجهوده فى خدمة الصحافة وإعلاء رايتها والدفاع عن حريتها، وأن نضع اسمه فى أكثر القوائم إشراقا وبياضا.
ثالثا: أين العقلاء والحكماء والكتاب والأسماء المحترمة، الذين كانوا يزينون النقابة وينقلون للأجيال الجديدة خبراتهم وتجاربهم، ولماذا هجروا النقابة وقاطعوها وأداروا ظهورهم لها، وهل أصبح مفتاح العمل النقابى الآن هو إهمال العقول والخبرات، وأن تتبنى توجهات فصيل يعبر عن اتجاه سياسى واحد، ففقدت ميزات التنوع والتعدد والرأى والرأى الآخر، فكان طبيعيا أن تصدر قرارات اجتماع الجمعية العمومية مصبوغة بشعارات سياسية زاعقة، تغلق الأبواب التى تؤدى إلى الخروج من الأزمة.
رابعا: يخطئ مجلس النقابة إذا تصور أن «جموع» الصحفيين يوافقون على القرارات المتشددة التى أصدرها، ولم تتبع الإطار القانونى السليم الذى يترتب عليه أن تكون ملزمة للجميع، فالقانون يحدد شروط الانعقاد ابتداء من الإعلان فى صحيفتين يوميتين، حتى صدور القرارات بالأغلبية المطلقة، والتسجيل فى كشوف الحضور وهو ما لم يحدث، وبالتالى من يعترض على هذه القرارات ليس خارجا عن الإجماع، ولا يجب أبدا التسليم للتفسيرات التى تصحح الخطأ بالدفاع عن الخطأ، لأن الجماعة الصحفية هى الأشد حرصا على الالتزام بالقانون والدفاع عن سيادته.
خامسا: نقابة الصحفيين ليست نقابة الميادين، بل الرأى الحر والفكر المستنير وقبول الآخر، وهى جزء أصيل من مؤسسات الدولة، ولا تخوض معاركها إلا للدفاع عن الوطن، وتتصدى لكل صور التدخل فى شؤون البلاد، وعلينا أن نعترف صراحة أن الأزمة الأخيرة، ساهمت فى استغلال بعض الجهات الأجنبية للأزمة، لتنفث سمومها وأحقادها، وتصعد الهجوم الممنهج الذى تتعرض له البلاد فى الآونة الأخيرة، وأعطيناهم بأيدينا سلاحا للبكاء الكاذب على أوضاع الحرية والديمقراطية فى البلاد.
الأزمة يجب أن تنتهى فى أقرب وقت، على قاعدة لا منتصر ولا مهزوم، فنحن لسنا فى حرب مع الأعداء، ولا منازلة لاستعراض القوة، وعلى الجماعة الصحفية أن تتسلح بالوعى والاستنارة، وأن تتخلى عن الشعارات الحماسية وخطب الميادين، وأن تتمسك بمواقعها الاستراتيجية فى مقدمة الصفوف، يدعمها رأى عام يساند قضيتها ولا تستفزه مطالبها.
أما إدارة وزارة الداخلية للأزمة وما شابها من انتقادات، فاتركوا أمرها للقيادة السياسية، التى نثق فى عدالتها وحرصها على ترسيخ احترام الدستور، وإعلاء شأن دولة القانون.