من مفارقات القدر التي عادة ما تفاجئنا بأشدها قسوة حيناً بعد الآخر، أن تطفو على سطح المجتمع لتتحول إلى قضية رأى عام، قصة هذا الشاب المتحرش المغتصب الذي تم التستر عليه وعلى جرائمه البشعة عدة سنوات، إلى أن شاء القدر أن ينفضح أمره للجميع هو ومن على شاكلته من الذئاب البشرية التي تعتمد على انكسار الفتيات بمجتمع ذكوري لا يلقي باللوم الا علي المرأة فى كل الأحوال مذنبة كانت أو ضحية.
فمن أهم القضايا الإجتماعية وأشدها حساسية، قضية تحميل المرأة كافة الذنوب وإثقال كاهلها بكافة الأسباب التى تدفع الجنس الآخر للتحرش بها وربما اغتصابها في بعض الأحيان!
أما عن قضية التحرش التى تحتل مصر بها أولى المراكز على مستوى العالم، لن يتم حلها لطالما تكاتف المجتمع بمعظم فئاته للتحامل على المرأة والإلقاء باللوم كله عليها كسبب أساسي يدفع الطرف الآخر للتحرش بها!
فكلما وقعت حادثة تحرش أو اغتصاب تسارع المتسارعون فى الحديث عن ملابس الفتاة الملفتة، هؤلاء الذين لايرون إلا بعينٍ واحدة ليروا دائماً وأبداً نصف الحقيقية ويغضون البصر عن نصفها الآخر !
فإذا تناولنا المشكلة من الناحية الدينية البحتة سنلقي باللوم كله علي معشر الرجال الذين يتغاضون عن مسألة "غض البصر"!
وإن عدنا إلى الخلف عشرات السنوات سنشاهد صور أمهاتنا جميعاً دون حجاب، وربما بملابس أكثر حرية، وعلى أحدث طراز ، عندما كانت هناك قيم أخلاقية وعادات و تقاليد مجتمعية يحترمها الجميع الرجل والمرأة على حدٍ سواء!
فالأمن والأمان توفره ثقافة المجتمع وفكره وتدينه الفطري الطبيعي غير المتشدد ولا متحزلق كما هو الآن، لا مجموعة الشكليات والقشور الخارجية التي يتحدث عنها هؤلاء البلداء كحجة واهية و عذر أقبح من ذنب!
إذ كانت الفتاة تخرج من بيتها آمنة مطمئنة أنيقة متحضرة لا تخشي هذه المسميات الغريبة كالتحرش، تلك الواردة حديثاً على بلادنا من ثقافات بدوية متشددة و عقول متحجرة أكبر وأهم ما يشغلها المرأة بكل تفاصيلها!
إذن فقد آن الأوان للتخلص من الأفكار والتوجهات الدخيلة التي أضرت بقيمنا الأخلاقية وصحتنا النفسية وسلوكياتنا التى لم تعد حميدة.
تلك التي سرعان ما سننفضها لنستعيد هوياتنا وتعود لنا مصرنا بكل تفاصيلها الجميلة التي افتقدناها في سنوات الغزو الثقافي والديني والأخلاقي الغريب علينا!
ملحوظة: موجهة لقطاع اللائمين على المرأة نظراً لملابسها التى تبيح وتبرر للمتحرش والمغتصب فعلته الدنيئة.
ألم تكن هناك حالات تحرش كثيرة جداً لفتيات يرتدين الحجاب؟
نعم،
فهذا الذئب البشري الذي يبحث ويساعده من هم على شاكلته عن مبررات الخطأ لا يُفرق بين فتاة أو أخرى بناءً على ملابسها فكلتاهن عنده سواء!
*عودة إلى المتحرش الصغير:
فبمجرد أن تم الإفصاح من البعض عن ما اقترفه هذا الماجن من تحرش لاغتصاب متعمد لابتزاز وتهديدات بعد ذلك،
توالت اعترافات الضحايا اللائي خفن أن يفصحن عن ما تعرضن له من فواحش خشية عقوبة المجتمع الذي لا يرحم و الذي ينحاز دائماً وأبداً لإنصاف الرجل على المرأة ضمن مجموعة الموروثات البالية التي عفا عيها الزمن إلا بمنطقتنا العربية دون غيرها.
فكما علمت من عدة مصادر أن هذا الفتى المغرور ينتمي لأسرة شديدة الثراء، وله مجموعة من الأقارب ذوي اليد الطولى بالبلاد ، وأن الكمبوند الشهير الذي يسكنه، كان أفراد الأمن به يرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم استغاثات بعض الضحايا دون أن يهتز لهم طرف خشية عقوبة أحمد بيه وأهله ذوي النفوذ و المال،
وحتى بعد أن ترك الجامعة الأمريكية منذ عامين جراء أفعاله المشينة وأرسل به أهله لأسبانيا، لم يتوقف عن ممارسة الرذيلة التي لابد وأن يكون سببها الأوحد هو المرض النفسي الناتج عن التدليل الزائد و سوء التربية، تلك التي باتت ظاهرة متفشية بمجتمعاتنا العربية والمصرية بشكل خاص.
أكثر من (خمسين فتاة):
قد تدمر مستقبلهن وتوارين عن الأنظار ، ومنهن من هاجرن خارج البلاد تجنباً لمواجهة مجتمع لا يرحم ولا يغفر ولا يتحقق من الجاني ومن المجني عليه؟
فلابد أن يقع اللوم كله علي الفتاة، وتعليق أسباب ما تتعرض له من عنف و انتهاك لكرامتها علي شماعات الملابس والمظهر وغيرها من أسباب الانحياز اللاإرادي للذكر أياً كان سلوكه.
ولكن:
أما آن الأوان للتخلص من مثل هذه الموروثات البالية الظالمة وإدراج قيم جديدة بتقاليد المجتمع تعتمد الخطأ خطئا، والصواب صوابا، دون التفرقة بين مرتكبه ذكراً كان أو أنثى، كما أمرنا الله وديننا الذي تغاضينا عن بعض تعاليمه السمحة لتحل محلها تقاليد الجاهلية الأولى، تلك التي ما زال الكثيرون متمسكين بها بأعماقهم الدفينة وإن أظهروا غير ذلك.
لذا:
فأنا أناشد كل مسؤول بيده الأمر أن يعاقب هذا المغتصب المتحرش أقصي عقوبة، ليكون عبرة لغيره ممن لم تزاح عن جرائمهم الستائر بعد، ولتكون مدعاة لطمئنة كل فتاة وتحررها من أغلال الخوف والإذلال جراء ذنب لم تقترفه.
كما أناشد كل بنت وامرأة أن تحمي نفسها من أى تهديد أو ابتزاز من شخص مريض، وأن ترفع هامتها أمام الجميع، وألا تتوارى خلف قضبان السجن المجتمعي الافتراضي غير العادل لطالما كانت غير مذنبة أو حتي متسببة بهذا الذنب.
كما أشكر المجلس القومي للمرأة علي هذا البيان الذي أصدره تجاه قضية الشاب المغتصب وضحاياه من فتايات قد تدمرت حياتهن في صمت دون أن يدري بهن أحد، وتبنيه لهذه القضية الشائكة،
كما أتمني أن يقف المجتمع بأسره وقفة رادعة بوجه مثل هذه الجرائم و يتصدي لتلك الأفكار الرجعية التي تدفع بالمرأة للتوارى والاختباء إذا ما تعدى على حرمتها وكرامتها رجل.
نهاية:
هل سنظل نلقى باللوم على المرأة في كل شىء، الزواج وفشل الزواج وعدم الرغبة فى الزواج والتحرش وغيرها من المشكلات الخطيرة التي يعاني منها المجتمع، ليبحث دائماً وأبداً ذوو العقول الفارغة و الحناجر الرنانة عن النساء ليجعلوا منهن شماعات يعلقون عليها جميع أخطائهم.
بني وطني: رفقاً بالنساء فقد أوصاكم الله بهن خيراً.