قليلة هي الكتب التي تناولت ظاهرتا الطلاق والترمل بأسلوب علمي إحصائي مقارن دون تهويل أو تقليل. ومن بين هذه الكتب، كتاب "الطلاق والترمل ومخاطرهما على الأمن الاجتماعي" للدكتور حاتم العبد وهو أكاديمى وحقوقي مصري تخرج في جامعة ليون الفرنسية.
والكتاب يعتبر أول بحث استقصائي قارن فيه المؤلف ظاهرتي الطلاق والترمل بين بعض الدول العربية ومنها: مصر والسعودية والإمارات من جهة ،وبين الولايات المتحدة وألمانيا وانجلترا وفرنسا من جهة أخرى. فقد وصلت نسبة الطلاق في الولايات المتحدة إلى 36%، وفي انجلترا وويلز إلى 49,9% بينما ارتفعت النسبة في فرنسا إلى 51,2% (إحصائيات عام 2015 ).
يرصد الدكتور العبد في كتابه أرقاما مخيفة ولكنها واقعية عن مصر ومنها: أن نسبة الطلاق 20,5% وأن 9مليون طفل يعيشون بعيدا عن أبويهم، و20 حالة طلاق تقع في الساعة، وأن عدد دعاوى الطلاق 89459 وعدد دعاوى الخلع 90 ألف دعاوى وأننا نهدر 17 مليار جنيه في حالات الطلاق(إحصائيات 2017). وفي السعودية بلغت نسبة الطلاق 29% ، بينما في الإمارات بلغت نسبة الطلاق فيها 30,2% .
يقارن الكتاب بين مفهوم الزواج والطلاق في الغرب عنه في الشرق العربي والإسلامي، مؤكدا أن فكرة الاقتران والارتباط تجمع كل الأديان، وهي في الغرب تفتح الباب أمام علاقات جنسية خارج إطار الزواج، مما يترتب عليها مردود سلبي على الأمن الاجتماعي، لكن مقاصد الشريعة الإسلامية جعلت حفظ النسل من الكليات الخمس أو الضروريات في الفقه الإسلامي (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال). وتنسحب الصبغة الدينية للزواج على الطلاق، فرغم أن الشارع الحكيم أحله، إلا أنه جعله أبغض الحلال إليه. حتى أن المؤلف يصفه بالخلية السرطانية التي توشك أن تقضي على الأسرة ما لم يكن لها علاج ناجح.
يعدد الكاتب الآثار الاجتماعية للطلاق والترمل على الأبناء ومنها: تعطل وغياب التكيف الاجتماعي ونزوع الطفل إلى سلوك العنف، والجنوح والتسرب من التعليم، وزيادة الأعباء الاقتصادية على الأسرة والدولة.
أما بالنسبة لمشكلة الترمل فيشير الكتاب إلى ارتفاع نسبة الأرامل من النساء عن نسبة الأرامل من الرجال في الدول العربية، ففي الإمارت بلغت 70,8% وفي السعودية 58,6% بينما في مصر بلغت نسبة الأرامل 55,2%.
إن تحليل تلك الأرقام الصادمة في الغرب والشرق، تكشف عن مشكلات اجتماعية خطيرة فما الحل؟
يقترح الدكتور العبد حلولا متعددة لمشكلة الطلاق ومنها: الاهتمام بالأبناء والتغاضي عن الخلافات الزوجية لمصلحة الصغار، وعدم تركهم للمربيات لانشغال الأم بعملها، وأن تكون العطلات الأسبوعية والموسمية مقدسة، والصداقة مع الأبناء وأن تقوم الأم بتثقيف ابنتها جنسيا، حتى لا تقع في المحظور وتسبب المشاكل لأسرتها. والمصارحة والمكاشفة بين الزوجين، وألا يتحول الزواج إلى سلعة بل ارتباط روحي وتفاهم للحد من ظاهرة الطلاق.
ينتقد الكاتب غياب ثقافة الاختلاف في ثقافتنا العربية والإسلامية، وميل طرفي العلاقة الزوجية إلى اللوم وتخطئة الطرف الآخر والتشبث بالراى ولو كان خطأ، وغياب ثقافة الاعتذار وكلها من مسببات الطلاق. داعيا إلى الحوار المستمر، والتخلص من ذكورية المجتمع وتسلط أم الزوج أو أم الزوجة.
ويرى الكاتب أن المطلقات والأرامل ليسوا مواطنات درجة ثانية وعليهن التأني في الزواج الثاني وعدم التسرع مع أول من يطرق بابهن، وعلى المجتمع أن ينظر نحوهما بقدر أكبر من الاحترام، وألا يكون ذلك على حساب أبنائهن بزواج يزيد الأسرة تفككا ويضيف للمجتمع أزمات جديدة.
ما أحوجنا إلى الدراسات المقارنة لبيان نظرة المجتمعات الأخرى للزواج والطلاق والترمل والاستفادة من تجارب الآخرين في حل قضايانا، وأولها أن نؤمن بالحوار وحق الاختلاف وثقافة الاعتراف بالخطأ، حتى لا نكون سببا في تفكك الأسرة عماد المجتمع والإنسانية.