تحمل الأيام الأخيرة من العام الدراسى الجامعى ذكرى غير طيبة لى تتجدد سنويا، بمجرد أن يحدثنى مجموعة من طلبة أقسام الإعلام فى جامعات مختلفة لمساعدتهم فى إعداد مشروع تخرجهم أو الاستعانة بى فى لأعينهم على التواصل مع مجموعة من الشخصيات العامة والمشاهير الذين يريدون محاورتهم، وبمناقشتهم أجد أن نتاج كل عام يتكرر بدرجات متفاوتة من عدم المعرفة بل والافتقار إلى (أ – ب) فى مجال مطلوب من هؤلاء الطلبة أن يتخرجوا فيه بعد أيام.
ربما لا تظهر هذه المقدمة السبب الذى جعلنى أعتبرها ذكرى غير طيبة.. الأمر بالنسبة لى بدأ قبل ما يقرب من 13 عاما.. كنت وزملائى نتاج هذه التجربة التعليمية التى تهتم بالجانب الأكاديمى دون التطرق من قريب أو حتى بعيد للجانب المهنى للصحافة إلا قليل وحتى لأ أكون قاسيا فإن النتيجة التى جعلتنى أتخرج من الكلية لا أعرف أن الخبر يبدأ بفعل يتحمل مسئوليتها نظام تعليمى يهتم بتتحصيل الدرجات بالإضافة إلى عدم وضوح الهدف من دراستنا للإعلام وقتها لى ولبعض زملائى، فكلفنى ذلك وزملائى أن نبدأ فى المجال مهنيا من الصفر لنتعلم كما لو كنا غرباء عن هذا المجال الذى تخرجنا فيه فواجهنا الكثير من الصعوبات حتى نكتسب الخبرة ومازلنا نتعلم كل يوم.
اعتقدت أن الأمر سيتغير مع من سيتخرجون فى دفعات بعد دفعتى التى تخرجت فى قسم الإعلام بكلية الآداب فى إحدى الجامعات بصعيد مصر، إلا أن النتيجة كما قدمت فى صدر مقالى جاءت تحمل نفس الذكرى غير الطيبة.. أغلب الطلبة لا يعرفون شيئا عما سيتخرجون فيه، بل إن بعضهم يخطئ إملائيا فى كتابة جملة عادية.. ولكى أكون منصفا المسئولية لا تقع فقط على نظام التعليم الجامعى فهؤلاء الطلبة قصروا فى حق أنفسهم كما قصرت أنا يوما ما.
الطلاب فى أقسام الإعلام بالجامعات البعيدة عن إقليم القاهرة الكبرى ولاسيما الصعيد، طينهم زاد بلة، والسبب أنهم بالإضافة إلى تقصيرهم فى حق أنفسهم فى وقت يهتم فيه نظام دراستهم على تحصيل الدرجات فقط دون اهتمام بالجانب العملى إلا أنه أضيفت إلى ذلك مأساة تتمثل فى عدم توافر وسائل التدريب فى الصحف الكبرى - كما هو الحال لطلاب الجامعات فى إقليم القاهرة الكبرى- ما يجعل سنوات الدراسة تمر دون الاستفادة من أى شيء فى مجال تخصصهم الذى سيتخرجون فيه ليبحثوا بعد ذلك عن عمل فيه أيضا فيجدون أنفسهم خريجين يبدأون من الصفر فى كل شيء.
تساءلت كثيرا لماذا تطلب أقسام الإعلام فى الجامعات مشروع تخرج من الطلبة رغم أنهم لم يدربوهم على الكتابة الصحفية السليمة، وتنصب كل دراستهم عن تعريف الخبر، والمتلقى والمرسل، دون التطرق إلى طرق الكتابة، وبناء الخبر، وأنواعه، وقوالبه الفنية، وأيهم أكثر استخداما، وكيفية صياغة المقدمة، وربط الفقرات، وربط المعلومات فى الفقرة الواحدة، وكيفية استخراج عنوان جذاب، يجيب على أحد أسئلة الخبر أو بعضها، ولماذا يضطر الطلاب إلى كتابة لا شيء والدفع به إلى أحد الصحفيين المخضرمين ليعيد صياغته من الألف إلى الياء تحت سمع وبصر أساتذتهم ثم بعد ذلك يدفعونه إلى أحد المخرجين الصحفيين المخضرمين فى المهنة ويطبعون مشروع تخرج يختلف تماما عما أنتجوه من مادة مشوهة ويتفاخرون بعدها بأن مشروعهم حصل على مركز متقدم.. هل هذا هو الهدف؟.. لا أعتقد.
أقسام الإعلام هدفها فى وجهة نظرى كهدف مدارس التعليم الفنى مع اختلاف المجال، فالأخيرة تتمثل رسالتها الحقيقية فى تخريج طلاب على مستوى عال من الكفاءة ليكونوا قوة دافعة للمصانع مدربون على استخدام أحدث الآلات ماهرون لأعلى درجة ليكونوا مؤهلون لسوق العمل، الأمر يجب ألا يختلف كثيرا فى أقسام الإعلام فخلال الأربع سنوات التى يدرسها الطالب يجب أن يتم تأهيله لسوق العمل بشتى الطرق وفى الشعب الثلاث (صحافة- إذاعة وتليفزيون- علاقات عامة).
وأين الحل؟.. الحل سأتركه لكم ولكنى سأطرح فى نهاية مقالى أسئلة تجعلكم تتوصلون إليه بسهولة.. لماذا لا تستثمر أقسام الإعلام طاقات الطلبة فى مشروع واحد ضخم بدلا من تقسيم الدفعة إلى 4 مشاريع فى كل شعبة؟.. لماذا لا تستعين هذه الأقسام بأبنائها الذين تخرجوا فيها ويشغلون الآن مناصب بارزة فى كبرى وسائل الإعلام ليكون التعليم أكاديمة ومهنى فى آن واحد؟ ولماذا لا يكون هذا المشروع قائم دائما وما يتغير فيه فقط هو الفريق المعد له المتمثل فى الطلبة الذين يتخرجون سنويا فى القسم؟.. لماذا لا يتدرب الطالب خلال الثلاث سنوات الأخيرة من دراسته عمليا ويكتب أخبارا وتقارير وتحقيقات وتكون درجاته على هذه الأعمال، حتى لو أنه تم تكليفه بمشروع تخرج فإن النتيجة تعبر عن مجهوده هو، لا مجهود ديسك شاطر، أو مخرج صحفى مبدع؟ ولماذا لا توكل لكل قسم إعلام فى جامعة ما إدارة موقع الجامعة ليدرب فيه طلابه ويطور منهم ويطوروا هم بدورهم فى موقع جامعتهم وتكون المنافسة بين مواقع الجامعات فى الحصول على لقب الأفضل.. أقول قولى هذا وهدفى فى النهاية ألا يتخرج هؤلاء وهم لا يعرفون أن الخبر يبدأ بفعل.