المشترك في اعتراض البعض على إنشاء مرصد للإسلام السياسي، هو العقول المشوشة التي ترفض الربط بين جماعات الإسلام السياسي والتطرف الديني، بزعم الخلط بين الإسلام كدين وبين أيديولوجية جماعات الإسلام السياسي، أو توظيف الإسلام سياسيا.
إن الإسلام واحد ولكن أنصار الإسلام السياسي جعلوا منه فرقا وجماعات عديدة متناحرة "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شىء" (الأنعام: 159). فهم أول من أطلقوا هذا إسلام سني وهذا إسلام شيعي وهذا إسلام سلفي وهذا إسلام صوفي، دون أن ينبهوا الناس إلى أن الروافد واحدة مهما اختلفت المسميات.
هي عقول ترفض تصديق ما تراه في الواقع من فشل تيارات الإسلام السياسي في حل مشكلات المجتمعات وأزماته الاقتصادية والسعي للقرصنة على ثروات الدول الأخرى، و الفشل في التعايش مع أبناء الوطن الواحد، و إقصاء الآخر المختلف دينيا ومذهبيا، والاعتماد على أهل الثقة والولاء للجماعة والتنظيم، وليس أهل الكفاءة المخالفين لتوجهاتهم.
رسخ الإسلام السياسي لمدرسة السمع والطاعة دون إبداء رأي أو إعمال عقل، أو مجرد نقاش مع المرشد أو أمير التنظيم أو رئيس الشعبة في الجامعة والشارع والمسجد والجمعية.
هؤلاء الذين يصيبهم الفزع من فضح ممارسات الإسلام السياسي في الولاء للأمة والملة على حساب أوطانهم التي يحملون جنسياتها وينعمون بخيراتها. فتحولت بعض المراكز والجمعيات التي يديرونها إلى هجوم على الآخر غير المسلم وبث سموم طائفية بغيضة تقسم المجتمعات الإنسانية على أسس مذهبية. وتدعو لتجهيز الغزاة من الشباب بدعوى الجهاد في دول أخرى، بعيدة جغرافيا ولاتربطهم بها أي صلة، سوى وهم الخلافة. وفتاوى شيوخ السلفيين عن"قتال الأرفاض والصفويين."
تناسى هؤلاء المغيبة عقولهم بأن فتاوى الإسلام السياسي ضد عالم الدين الفقيه السوري الدكتور محمد سعيد البوطي(ت 2013) بأنه "فقد عقله وأهليته الدينية"، أدت إلى تفجير انتحاري أدى لاستشهاد البوطي بالمسجد ومن معه من طلاب علم. أي دين يأمر بقتل الناس فما بالك بالعلماء و الطلاب والمصلين في دور العبادة؟
وفي كتاب "الإخوان المسلمين وجذور التطرف الديني والإرهاب في مصر" للباحث السيد يوسف يرصد فيه كيف تأثرت جماعة التكفير والهجرة بمنظر الإسلام السياسي سيد قطب، مما أدى إلى تكفير المجتمع، واختطاف واغتيال الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف.(ت 1977) .
وتناول الكتاب مواقف الجماعة المعادي للديمقراطية والتعددية و الرأى الآخر والتي تصور الإسلام على غير حقيقته، فتزعم أنه دين شمولي يعادي الديمقراطية، مع أن الله تعالى يقول في قرآنه الكريم: " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (من الآية 159 آل عمران) ، ويقول: لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس:99).
ويبدو أن ذاكرة أنصار الإسلام السياسي المشوشة تناست أدبيات إنشاء الجهاز الخاص أو التنظيم السري للإخوان عام 1936 والذي استمد أفكاره من الجهاد في الإسلام، وكان العضو يتدرب على الشفرة واستعمال الأسلحة والمبالغة في السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر. كما كانت البيعة وحلف اليمين تحوطها الرهبة. والقسم على المصحف والسيف والإعدام لمن يفشى أسرار التنظيم ( أحمد عادل كمال، النقط فوق الحروف :الإخوان المسلمون والنظام الخاص).
وتكشف وثائق الجماعة الأم للإسلام السياسي عن مهاجمة الدستور والحياة النيابية في كتابات صالح عشماوي في جريدة النذير: أ"يها الزعماء، اذهبوا ودستوركم فالرسول زعيم الأمة والقرآن دستورها". وسعت كتابات عشماوي إلى إلباس العداء للاحزاب والديمقراطية ثوبا إسلاميا. بينما تقوم الجماعة مبايعة الملك فاروق بالخلافة وووصفه بـ أمير المؤمنين ومطالبته بالإعداد للجهاد. (مجلد النذير يناير 1945).
والغريب أن أنصار الإسلام السياسي يربطون بين العداء له وبين الولاء لإسرائيل، فماذا قدم هؤلاء أنفسهم للقضايا العربية والإسلامية وفي القلب منها القضية الفلسطينية، سوى الفرقة والاختلاف والانقسام وإثارة النعرات المذهبية والدينية، ينطبق على هؤلاء حديث الرسول(ص) الذي رواه ابن مسعود وأخرجه مسلم: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون"، أي المغالون المشددون في الدين.