للقتل أشكال أخرى تختلف عن إزهاق الروح بالنار أو الرصاص أو بأى وسيلة أخرى، ومن بينها القتل المعنوى عبر السخرية من شكل أو تصرفات شخص ما، وهو ما يعرف بجريمة التنمر التى شهدنا عددا كبيرا من فصولها وحلقاتها المحزنة خلال الأشهر الماضية في تعبير واضح عن أزمة الأخلاق التي تعصف بسلوكيات البعض، والتي أفقدت عددا من بنى جلدتنا أبسط مبادئ الإنسانية التي تقتضى احترام الآخرين والعطف عليهم، خاصة إذا كانوا من ذوى الاحتياجات الخاصة أو الأطفال أو كبار السن.
ربما تسبب التطور المتلاحق الذى نعيشه في ظهور جرائم لم يكن لها وجود من قبل، أو ربما كان الأمر في السابق قاصرا على استثناءات تحدث على فترات متباعدة تقابل بردع مجتمعى مباشر، فلم يكن مسموحا لصغير أن يقلل من شأن كبير، ولم يكن من الوارد أن يسخر صحيح من سقيم، ولكن مع تسارع الأحداث والزيادة الكبيرة في أعداد السكان والتطور الكبير للتقنية صارت الكثير من المشاهد غير المألوفة واقعا مريرا يصدمنا في أحيان كثيرة.
بات القانون هو الملاذ الوحيد لمواجهة الكثير من الكسر غير المبرر من قبل البعض لقيم وثوابت المجتمع، وحسنا فعلا مجلس النواب بإعلانه عن وضع تعديل تشريعى يتوقع أن تتم مناقشته قريبا لمواجهة جريمة التنمر التي يمارسها البعض مع سبق الإصرار والترصد، وفى ظل يقين مستقر لديهم بأنهم سيفلتون بجريمتهم من العقاب.
مجلس النواب الذى التفت إلى خطورة الجريمة يستعد لمناقشة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لإضافة مادة جديدة لقانون العقوبات، برقم (309 مكررًا ب)، والتى أوردت تعريفًا للتنمر، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء عليه تمهيدا لإرساله للبرلمان.
العقوبة المقترحة لجريمة التنمر وفقا للتعديل التشريعى هي الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويعرف القانون التنمر بأنه كل استعراض قوة أو سيطرة للجانى، أو استغلال ضعف للمجنى عليه، أو لحالة يعتقد الجانى أنها تسىء للمجنى عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعى، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعى.
اليوم سيفكر أى شخص ألف مرة قبل أن يسعى لاقتراف جريمة التنمر بحثا عن شهرة زائفة أو نشوة مؤقتة على حساب مشاعر وأحاسيس الآخرين، بعد القانون الجديد لن يفلت مجرم من العقاب وسيتم الانتصار لكرامة وقيمة الإنسان الكبيرة والذى خلقه المولى ليعيش ويحيا بكرامة، كما حذر بشدة من السخرية منه بأى شكل من الأشكال وجعل التقوى وحدها وليس المال أو الجاه أو المنصب ميزانا للتفاضل بين الناس.
أشكال عديدة للتنمر المذموم شهدنها خلال الفترة الماضية، فمن التنمر على مصابى كورونا إلى مهاجمة شاب سودانى بالبيض في المعادى إلى واقعة ابنة عمرو السولية التي لم تتجاوز الثالثة من العمر والتي قام بعض ذوى النفوس المريضة بالتنمر عليها على حساب والدها على موقع إنستجرام عقب نشره صورا لها وهى في أجمل سنوات عمر البراءة، وبدلا من أن يتم الاحتفاء بها تعرضت الطفلة الصغيرة للتنمر من قبل البعض بسبب ملابسها التي لا تختلف كثيرا عن ملابس أقرانها في نفس العمر.
هل فكر المتنمر يوما ما في أنه كان سببا في دموع الانكسار التي سالت على وجه صغير أو كبير تعرض يوما ما للسخرية غير المبررة وهو يسير في الطريق لمجرد أن لون بشرته أو طريقة لبسه أو مرضه أثار حفيظة شخص ما فقرر أن يمارس التنمر عليه.
أحسب أن وقفة مع النفس ولو لدقائق معدودة كفيلة بأن يفيق الكثير من المتنمرين من غيهم، وأن يعودوا لرشدهم حتى نلفظ للأبد هذه الظاهرة الذميمة.