بالأمس بدأت فتح ملف الجامعات الخاصة فى مصر، وتأثيرها على التعليم الجامعى، بالتزامن مع انتهاء امتحانات الثانوية العامة 2020، وبداية مرحلة جديدة فى حياة كل طالب، يحاول رسم مستقبله القادم بصورة أفضل، وحتى يتسنى لأولياء الأمور مشاركة أبنائهم فى الاختيار، باعتبارهم الممول الرئيسى لمصروفات هذه الجامعات، التى غالبا ما تحتاج إلى أموال طائلة، علينا أن نستكمل الحديث، ونتناول كل النقاط الإيجابية والسلبية في هذا الملف.
وحتى نتعرف أكثر على قضية الجامعات الخاصة علينا أولا أن نتوقف عند أسمائها التي يغلب عليها الطابع التجارى أو الدعائى، دون النظر إلى المضمون أو حقيقة ما تقدمه للطالب أو الخريج فيما بعد، فهناك الجامعة البريطانية، والجامعة الروسية والجامعة الألمانية والجامعة الفرنسية، وكأن هذه الجامعات منشأها الأصلى هذه الدول، أو كأنها تقدم فرصة مختلفة أو ميزة نسبية للطالب، مع العلم أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا لا يوجد بها جامعات مهمة ولها تاريخ تحت هذه المسميات.
فرنسا يعرفها الجميع بـ "السربون"، وبريطانيا مشهورة بـ "أكسفورد" و"كامبريدج"، أما ألمانيا فأهم جامعاتها ميونخ وبرلين الحرة، بينما أمريكا يعرفها الجميع بـ "هارفارد" و "ييل" و"جونز هوبكنز"، فهذه الجامعات يعرفها العالم جيدا ولا تخطئها القلوب والأبصار، ولها سمعة وتاريخ طويل من الريادة والتميز، وخرجت علماء وأساتذة وخبراء فى مختلف أنحاء العالم، وقدمت للبشرية ميراث علمى وثقافى وحضارى غير محدود، لذلك على الطلاب المصريين وأولياء أمورهم أن يتفهموا جيدا أن الأسماء التجارية للجامعات الخاصة فى مصر لا تعبر من قريب أو بعيد عن هذه الجامعات التى ذكرتها أو حتى جامعات الدرجة الثالثة فى بعض دول أوروبا الشرقية.
يجب أن يعلم خريج الثانوية العامة أن فكرة "التوأمة" مع الجامعات الأجنبية ما هي إلا "فنكوش" ووهم يتم شراؤه مقابل حفنة دولارات دون أن يكون هناك تعاون علمى حقيقى أو تبادل ثقافى وتعليمى وفكرى معها، بالإضافة إلى أن أغلب هذه الجامعات غير معروفة، وليس لها جذور أو تاريخ أو أدوات تمكن من فيها أو من يتعاونون معها في تقديم خريج متميز يخدم المجتمع ويرتقى به.
أتصور أن الجامعات الخاصة فى مصر لو لجأت لعقد برامج توأمة مع جامعة القاهرة أو عين شمس أو المنصورة والإسكندرية وأسيوط سيكون أجدى وأنفع لها وللطلاب، حيث يوجد لدى هذه الجامعات مراكز تدريب وهيئة تدريس محترفة وإمكانيات فنية وعلمية كبيرة، بالإضافة إلى أنها قدمت للمجتمع علماء وعباقرة كانت لهم بصمات كبيرة فى كل دول العالم وتقلدوا أرفع وأهم المناصب، لذلك علينا أن ندرك جيدا أن الشراكة مع الجامعات الأجنبية ما هى إلا حبر على ورق، ولوجو وشهادة مكتوبة باللغة الإنجليزية، لا تمنح الخريج أى ميزة نسبية، فى الداخل أو الخارج، خاصة إن كان مستواه العلمى ضعيف ولم يحصل على التأهيل الفنى المناسب.
يجب أن يكون لوزارة التعليم العالى دور رقابى واضح على التوأمات الوهمية التى تعلن عنها الجامعات الخاصة، ويتم إصدار تقارير دورية عن نشاط هذه الجامعات وجدوى ما تقدمه للطلاب، حتى يتم ضبط أدائها وتقويم مسارها خلال الفترة المقبلة، فالهدف ليس التشويه أو الهجوم أو النقد السلبى، بل يجب أن يكون تقديم خريج يسهم فى بناء المجتمع النامى الذى يحتاج إلى الكثير من جهود الإصلاح والبناء.