واحدة من الحقائق المهمة التي تحتاج إلى شرح وتوضيح، أن مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، ارتباطا بنسب الاستهلاك المرتفعة جدا فى الدقيق، إلى جانب الأنماط الغذائية غير السليمة، التى تعتمد بصورة أساسية على الخبز، الذى يطلق عليه المصريون " العيش"، نظرا لقيمته الكبيرة في حياتهم كمصدر للبقاء، لدرجة أن جملة " بياكل عيش" صار لها مدلول أكبر وأعقد من فكرة الطعام.
الأرقام الخاصة بواردات مصر من القمح عديدة ومختلفة من مصدر لآخر، سواء كان وزارة المالية التى تتولى تدبير الموارد اللازمة، أو هيئة السلع التموينية، التى تتحمل مسؤولية الشراء، بالإضافة إلى القطاع الخاص، الذى يتحمل جزء من استيراد الذهب الأصفر، إلا أن الحقيقة الثابتة في كل ما سبق أن مصر هى الأكثر استيرادا للقمح فى العالم، مع العلم أن حجم الإنتاج المحلى يجعلها في مرتبة الخامسة أو السادسة عالمياً، إلا أن فاتورة دعم الخبز وإنتاجه بواقع 250 مليون رغيف يوميا، وضعها دون منافس على قمة الهرم الاستهلاكى للقمح فى العالم، فالمواطن المصري يستهلك نحو 100 كيلو جرام من القمح سنوياً، وهذا يشكل ضعفي النسبة في الاتحاد الاوروبي وثلاثة اضعافها في سائر مناطق العالم، وفقاً لما ذكرته دراسة فرنسية.
مصر الدولة رقم 13 من حيث عدد السكان في العالم، بما يزيد عن المائة مليون نسمة، إلا أن النمط الغذائي الذى يعتمد على استهلاك معدلات غير مسبوقة من الدقيق في الطعام جعلها في المرتبة الأولى عالميا، وهذا بطبيعة الحال لم يكلفنا عملة صعبة وأعباء كبيرة على الموازنة العامة للدولة فحسب، بل ساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة فى انتشار العديد من الأمراض المزمنة، أو السارية كما يطلق عليها الأطباء، مثل السكر والضغط والسمنة، حيث وصلت معدلات هذه الأمراض فى مصر إلى معدلات كبيرة جعلت الدولة تتدخل لعمل حملات قومية للكشف عنها وتوفير العلاج لها، نظرا لخطورتها وتهديدها لصحة المواطنين.
إذن النظام الغذائى لشريحة كبيرة جدا من أبناء الشعب المصرى فى حاجة إلى مراجعة وتوعية، تستوجب تصميم حملات إعلامية من نوع خاص، لتخفيض استهلاك المواطن من الدقيق، واتباع أساليب وأنماط غذائية أكثر حفاظاً على صحة المصريين، وبالطبع هذا سيستغرق شهورا طويلة، بل سنوات حتى نتمكن من تغيير هذه الثقافة التى ترى الخبز عيشا، والدقيق طعاما.
فكرة تغيير النمط الغذائى للمصريين تحتاج لجهود تسويقية وحملات قومية مدروسة، حتى نتمكن من تقليل حجم استيراد القمح والحفاظ على صحة المصريين ووقايتهم من الأمراض السارية، ولو نجحنا في هذه الخطة سنتمكن خلال وقت قصير من توفير نفقات وأموال يمكن استخدامها في تطوير التعليم وتحسين البنية الصحية، بالإضافة إلى الحفاظ على العملة الصعبة ودعم العملة الوطنية.