تنقسم ذاكرة كل منا الى خانات زي ما اصالة بتقول، او الى ارفف و ادرج و ارشيف ضخم لا يصل لحجمه خيال انسان زي فيلم in and out و مسلسل Locke & key.
و لكن هنا نوسم هذه الخانات و تلك الارفف بوسومٍ مختلفة..
هنا الذاكرة عبارة عن خيوط تصل بين اسماء و اشياء، و لا تتقاطع هذه الخيوط، كل خيطٍ فيها، له عنوان، له انسان، له احداثه الخاصة. حاجة customized كدة.
يعني هو لا يصنف هنا بجيد او سيء، قريب او بعيد .....نو. هو شخص يرتبط بشيء واحد في ذاكرتك، بمواقف تندرج تحت هذا المسمى.... ليس بالضرورة خالص أن يكون صديقاً او قريباً او له مكاناً في دائرتك الصغيرة.... و لكنه حاضر باسمه في ذكرى ما من ذكريات هذا الشيء.
حاسة اني بأعك و محتاجة افسر....
يا سيدتي الفاضلة، و يا سيدي الكريم... خد عندك:
ذاكرة الخناق:
ممكن أن يكون شخصاً لا تذكره الا بمشاجرة حدثت في المدرسة، في النادي.... فقط. لا وجود لهذا الشخص في ذاكرتك الا عند استحضار الخناق، و احياناً اخرى صديقاً مقرب ايضاً لا تستحضره من ذاكرتك الا في قصص المشاكل و الخناقات و الضرب.... ليس موصوفاً هنا بشخص جيد و لا سيء، و لكنه بتاع الخناقات.... ذكريات لا تكتمل دون حضوره الطاغي فيها.
"و مكانش معانا كلنا غير ٣٠ جنيه، و لفينا عالمستشفيات علشان نلم الشوارع اللي في وشه قبل ما يروح....."
ذاكرة الدراسة:
و هناك الشخص الذي يرتبط اسمه في ذاكرتنا بالدروس و المذاكرة و من طلب العلا سهر الليالي.... ليس بالضرورة ان يكون فطحلاً، و لكنه حاضر و بقوة في هذا القسم من الذكريات... تذكره دائماً في احاديثك عن فلوس الدروس، و تجمعات الدراسة... و شقة ذلك الصديق التي نعتكف فيها قبل الامتحانات، و تقسيمة البرشام لو ملوش في المذاكرة، او ملخصاته العبقرية، و تحليلاته المبسطة، و توتره القاتل قبل الامتحان ( و طبعا ناجح بجدارة) لو له فيها... و اشهر جملة في تاريخ المذاكرة المعاصر المصري:
"انا رايح اذاكر عند واحد صاحبي"..
و ذاكرة الاكل!
من منا ليس لديه ذلك الشريك في الطعام، اللي اول ما تتقابلوا يفتح نفسك و اول حاجة تتقال: هناكل ايه؟ هناكل فين؟.. و لو قلبنا ذكرياتك كورق الكوتشينة ستجد اي ذكرى لها طعم و رائحة مرتبطة به بشكل او بأخر سواء: أكلها معاك، قالك عليها، نصحك بيها، اداك الوصفة، جابهالك - محترم و الله-.
و دة مهم، علشان ثقافتنا العربية قايمة على ايه؟!! الأكل يا افندم.لذلك هو يعتبر رئيس وزراء خيوط الذكريات.
" هنتعشى في البرنس.... تعالى نضربلنا كام ساندويتش من ابو مازن.... حمام من المنوفي، كشري ابو طارق... حلو من مندرين.... عصير قصب من فرغلي ( زمان)".
ذاكرة الخير:
اي ذكرى عمل خير في حياتك، تجده فيها قاعد و مربع. حتى لو لم تكن مشارك بها و سمعت عنها فقط.... ستجد انه من اخبرك عنها.... او احدهم قال انه هو هذا الشخص كان هناك...
" هنلم لشنط رمضان.... .. بنلم فلوس جهاز لبنات نستر عليهم...بنوزع هدوم قبل العيد للاسر المستورة.... عملنا تكية بنطبخ فيها وجبات للاسرة المستورة طول العام، بنعمل اعياد ميلاد في مستشفى ابو الريش و بنحقق للولاد احلام بسيطة."
و الناس دي مينفعش نفتكرها من غير ما نقول دعوة حلوة بسيطة ليهم سواء جهراً أو غيباً.
مهما كان اسمك في حياة اي حد:
ربنا يكرمك و يديك على اد نيتك الطيبة.
ذاكرة وجع القلب:
انسان لا تذكره الا بوجع القلب، اسمه مليء بالالام و الاحزان و الاوجاع، شيء يحتاج لجلسة تنويم مغناطيسي، او علاج مسح ذكريات زي بتاع جيم كاري في فيلم the eternal sunshine of the spotless mind، أو مقص عضوي ( منك فيك) يقطع هذا الخيط و يمحيه من ذاكرتك... انسان ذكراه دائماً تحمل الندم، الندم الشديد على كل ثانية اضعتها من عمرك عليه.
" ازاي ضيعت عمري معاه و عليه، ازاي؟!"
و رغم تنوع الخيوط اللي فوق؛ الا ان مفضلتي الشخصية هي:
ذاكرة الموسيقاااااااى:
و هذه الذاكرة ليست موجودة بحضور عند الكل.... حسب يعني.... و لكن كجيل تسعيناتي صميم، فالموسيقى لها وجود مختلف... ليس المقصود هنا احد استمعت لاغنية معه، ابسلوتلي نوت.... بل شخص استمتعت و انت بتسمع معاه،اتسلطنت و انت بتسمع معاه.... اكثر ما يجمعكم هو هذا الترابط الموسيقي.
و لندرة هذا النوع من الاشخاص، عادة بيكون اسم واحد فقط في هذه الذاكرة طول العمر.
علشان الكيمياء هنا شبه مستحيلة التوافق، في الذوق و الاحساس و الموود ..... و يا ترى بيحب الكلمة و الا الرتم و الا الصوت اكتر ( و دة عامل مؤثر) حاجة شبه مستحيل تحصل. بس بتحصل.
فام كلثوم معه تظهر روعتها.... سيد مكاوي تتسلطن، حميد، ايهاب توفيق، هشام عباس، علاء عبد الخالق، مصطفى قمر، علي الحجار، ايمان البحر درويش، شيرين، انغام، عمرو دياب و منير.... الكلمة معاه غير، الاحساس معاه مختلف....
ليس بالضرورة ان يكون اعز الاصدقاء، او حتى شريك حياتك..... و لكنه شريك خاص جداً، شريك المزيكا...
" كنت باشتاقلك انا .... و انت هنا.... بيني و بينك... خطوتين.... خطوتين..... خطوتين."
و كعادتي... ادعوك للاتكاء للخلف و التفكير، في من تضع اسمه على هذا الخيط او ذاك، و من المؤكد لديك خيوط ذاكرة اخرى ، تحمل بصمتك انت، بقصصك، باشخاصك... و بعالمك... السفر، العمل، الحب، المشورة.... الخ الخ الخ... و في ظل الظروف الراهنة، هتلاقي ذاكرة كورونا هتبقى علامة فارقة في شكل حياتنا.
اما الجميل في كل هذه الخيوط و هذه الذاكرة او تلك؛ ان المضحك فيها لازال يضحكنا.... اما المبكي فيها.... فلم يعد يبكينا. سبحانك يا الله.
اخر الكلام:
عمر هوانا بيجرى بيجرى . شوف راح منه كام.
ساعة شوق ومحبة وشهر بعاد وخصام...
ويبقا الحب تايه مش عارف احنا فين...
زى المركب ما تبقا محتارة بين شطين...
لكن لامتى . يا عيونى انت ...
نبقا حبايب ومش حبايب . لحد امتى!
سيد مكاوي