-1 مما درسناه فى الجامعة أن هناك قانونا اسمه «تناقص المنفعة»، ولتوضيحه أقول لو أن أحدنا كان أمامه 10 تفاحات، فإنه منفعته من التفاحة الأولى تكون 50 وحدة، ومن الثانية 45 وحدة ومن الثالثة 30 وحدة وهكذا حتى يصل إلى التفاحة السابعة تكون منفعته صفرا، وإن أكل الثامنة يتأذى فتكون المنفعة سالب 10 وهكذا حتى يتقيأ التفاح وربما لا يريد أن يأكله أو أن يشم رائحته لأيام كثيرة قادمة.
-2 هل تخضع الحياة بصفة عامة لنفس القانون؟
-3 روت لى صديقة أن زوجها الثرى بدأ يزهد فى الحياة، لا يكاد يخرج من حجرته، متعته الوحيدة هى مشاهدة التليفزيون واللعب فى التليفون، يمتنع عن الذهاب إلى الفندق الذى يملكونه فى البحر الأحمر أو الفيلا التى يمتلكونها فى الساحل الشمالى، وهو بهذا يعيق الأولاد عن التمتع بحياتهم لأنهم إن ذهبوا من غيره، أحسوا بالذنب، وإن لم يذهبوا أحسوا بالملل.. وهكذا.
-4 وجدت نفسى أشرح لها المسألة من وجهة نظر قانون تناقص منفعة الحياة، هو بالنسبة له المزيد من الحياة بمتعها وملاذها مثل التفاحة التاسعة أو العاشرة، وبالنسبة لها المزيد من متع الحياة مثل التفاحة الخامسة أو السادسة، وبالنسبة للأولاد المزيد من متع الحياة كالتفاحة الأولى أو الثانية.
-5 أمى، الله يرحمها، فى آخر سنة قبل وفاتها، كانت غير متمسكة بالحياة، تتعامل معها على أنها «وقت وبتقضيه لحد ما يندهوا على اسمها» فتعود إلى بارئها، دولابها مليان ملابس وهى لا تلبس إلا قطعة أو قطعتين، سريرها تحول إلى مستقرها الأهم فى الدنيا، حتى وإن تطلعت إلى أمر تجد نفسها بعد قليل تزهد فيه.
-6 الإنصات إلى كلام الأطباء ونصائحهم غير مجد فى ملتها واعتقادها، هى ببساطة لا تجد فى الحياة متعة، ولا تجد لها غرضا أسمى، المزيد من الحياة مثل التفاحة العاشرة بالنسبة لها، تأكل ما قد تراه مناسبا حتى لو أضر بها، فالأجل يقترب ويستوى أن يقترب زاحفا أو مباغتا.
-7 الطبيب النفسى فيكتور فرانكل فى كتابه الشهير «الإنسان يبحث عن المعنى» يشرح فكرة «الفراغ الوجودى» فى أحد فصول الكتاب ويدلل على انتشار هذه الحالة فى حياتنا بالعديد من الملاحظات الظرفية والإحصاءات والمسوحات البحثية، ومن خلال تجربته الشخصية كمعتقل فى أشد المعتقلات النازية شراسة والتى سجل تفاصيلها بعمق مؤلم ودقيق فى النصف الأول من هذا الكتاب، يقول فرانكل: «إنى أجرؤ على القول بأنه لا يوجد فى الدنيا شىء يمكن أن يساعد الإنسان بشدة على البقاء حتى فى أسوأ الظروف، مثل معرفته بأن هناك معنى لحياته».
-8 الرجل يناقش أخطر ما يواجهه الإنسان المعاصر من أسئلة وهو سؤال: هل تستحق الحياة التمسك بها، أم أننا نقضى بعض الوقت فى هذه الدنيا حتى نموت؟ وبالتالى يستوى أن نموت الآن أو بعد قليل.
-9 أحيانا كثيرة أجد نفسى أقول: فلأستمتع بالحياة حتى يندهوا على اسمى.
-10 والحقيقة أن التقرب إلى الله والصلاة وقراءة الكتب المقدسة والتسبيح يجعل الإنسان قدريا، يؤمن بقدر الله فينا، وأنه لن يحدث فى كون الله إلا ما يريد الله.. وهذا يملأ عقل الإنسان بطمأنينة تجعله يواجه صعوبات الحياة بشىء من الأمل فى أن النهاية ستكون خيرا بإذن الله.
هذا ما أمكن إيراده وتيسر إعداده وقدر الله لى قوله.