خاضت مصر الكثير من الحروب، وكانت كل الحروب التى شهدها التاريخ المصرى دفاعًا عن حقوقنا وثرواتنا ورد العدوان عن مصرنا الغالية، وحتى فى أصعب الظروف كان الشعب يساند جيشه الوطنى، ونتذكر كلنا واقعة مجىء رسول هولاكو إلى مصر ولم يجد من يتحدث معه باسم مصر، وكان الشعب كله هو صوت مصر، ذلك الشعب الذى ساند وشد من أزر جيشه ليهزم جيش المغول فى معركة عين جالوت 1260م، وهى إحدى أبرز المعارك الفاصلة فى التاريخ الإسلامى، إذ استطاع جيش المماليك، بقيادة سيف الدين قطز، إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول بقيادة كتبغا، كما يقول التاريخ إن المعركة وقعت بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن العالم الإسلامى، حيث سقطت الدولة الخوارزمية بيد المغول، ثم تبعها سقوط بغداد بعد حصار دام أيامًا، فاستبيحت المدينة وقتل الخليفة المستعصم بالله، لتسقط معه الخلافة العباسية، ثم تبع ذلك سقوط جميع مدن الشام وفلسطين وخضعت لهولاكو، وكأن التاريخ يعيد نفس المشاهد، فقد كانت مصر فى تلك الفترة ضعيفة وتئن بسبب الصراعات الداخلية، التى انتهت باعتلاء سيف الدين قطز عرش مصر سنة 1259م سلطانًا لمماليك مصر، فى هذه الفترة التى تشبه إلى حد كبير ما بعد 2011، وما مرت به مصر وبعض العواصم العربية، فبدأ قطز بالتحضير لمواجهة التتار، فقام بترتيب البيت الداخلى لمصر وقمع ثورات الطامعين بالحكم ليتفرغ لبناء الجيش، وما إن انتهى قطز من تجهيز الجيش وزحف للقتال وتواجه الجيشان، حتى كانت الغلبة لرجال قطز، واستطاع الآلاف من المغول الهرب من المعركة واتجهوا قرب بيسان، وعندها وقعت المعركة الحاسمة وانتصر قطز انتصارًا عظيمًا، وأُبيد جيش المغول بأكمله.
كان لمعركة عين جالوت أثرعظيم فى تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة فى منطقة الشام، فقد تسببت خسارة المغول فى تحجيم قوتهم، ولم يستطع القائد المغولى هولاكو، الذى كان مستقرًّا فى تبريز، من التفكير بإعادة احتلال الشام مرةً أخرى.
أما عندما يخرج الجيش المصرى عن حدوده فلا بد أن ينتصر، ودرس معركة قونية لا بد أن يكون عالقًا فى الأذهان، تلك المعركة عام 1832، بين مصر والدولة العثمانية، خارج مدينة قونية «حاليًّا تركيا»، وقاد إبراهيم باشا المصريين، بينما قاد العثمانيين رشيد محمد باشا، ودامت المعركة لمدة 7 ساعات، إذ بدأت ظهرًا وانتهت بعد غروب الشمس بساعتين.
ففى صباح يوم 20 ديسمبر تقدمت جيوش رشيد باشا إلى قونية، وأخذ كل من القائدين يرتب موقع جنوده، وفى اليوم التالى، يوم الواقعة، كان الضباب يخيّم على ميدان القتال من الصباح فحال دون اكتشاف كل من القائدين موقع الجيش الآخر، لكن إبراهيم باشا كان يمتاز عن رشيد باشا بأنه درس جبهة القتال دراسة دقيقة، ومرَّن جنوده على المناورات فيها، قبل اشتباك الجيش. ورابط الجيش المصرى شمالى قونية، واصطف الجيشان فى مواقعهما، فتمكن إبراهيم باشا من أن يلمح موقع الجيش التركى، وقد رتب خطة الهجوم ترتيبًا محكمًا وحقق نصرًا مبينًا للجيش المصرى، ولتُكتَب صفحة فخر فى تاريخ مصر الحربى، ولقد كانت من المعارك الفاصلة فى حروب مصر، لأنها فتحت أمام إبراهيم باشا الطريق إلى الأستانة، إذ أصبح على مسيرة 6 أيام من البوسفور، وكان الطريق إليها خاليًا من أى قوات تعترض زحفه، فلم تزد خسارة المصريين على 262 قتيلًا و530 جريحًا، بينما قُتِل من الجيش العثمانى نحو 3 آلاف من جنوده، وأُسر قائده ونحو 5 إلى 6 آلاف من رجاله، من بينهم عدد كبير من الضباط والقادة، وغنم المصريون منه نحو 46 مدفعًا وعددًا كبيرًا من الرايات، ومن هناك بدأ إبراهيم باشا يحضّر لزحفه صوب الأناضول عاصمة تركيا.
خضع السلطان العثمانى لروسيا وارتضى أن تحميه بقواتها البحرية والبرية، فجاء أسطول روسى، واستقر فى مياه البوسفور، ونزلت قوة من الجنود الروس إلى الشواطئ التركية الآسيوية لتمنع تقدم الجيش المصرى المتوقع، بينما حاولت فرنسا إزالة الخلاف بين محمد على باشا، والسلطان العثمانى، وبعد مفاوضات دامت 4 أيام، تم الاتفاق على الصلح فى 8 أبريل سنة 1833م وإبرام اتفاقية «كوتاهيه»، التى تقضى بأن يتنازل السلطان لمحمد على باشا عن كل الأقطار التى فتحها (سوريا «الشام»، إقليم أدنة، الحجاز، وجزيرة كريت) مع تثبيته على ولاية مصر، مقابل أن ينسحب الجيش المصرى من باقى مدن الأناضول التى فتحها إبراهيم باشا، وبالفعل انسحب الجيش المصرى من قونية وإقليم الأناضول بعد هذه الاتفاقية.
دعونا نتذكر ونذاكر التاريخ لنعلم ونتعلم كيفية التعامل مع العثمانيين الأتراك قديمًا وحديثًا ونفخر بأنفسنا وجيشنا الذى يعد أفضل وأقوى جيش فى الشرق الأوسط وإفريقيا، فجيشنا قوى وقادر على حماية الأمن القومى المصرى داخليًّا وخارجيًّا، ودورنا هو توحيد الصفوف فى الجبهة الداخلية ودعمه والالتفاف حوله فى سبيل الحفاظ على الوطن ومكانته، فوجود جيش قوى واقتصاد قوى يعنى مكانة كبيرة لمصر وكرامة لمواطنيها. وللحقيقة لم أقتنع أبدًا بالتصنيفات التى تقول إن جيشنا فى المرتبة التاسعة عالميًّا، بل مؤمن بأننا الأول عالميًّا بسلاح لا يستطيع أى جيش فى العالم تصنيعه، وهو عقيدتنا التى لا تتزحزح «إما النصر أو الشهادة» وبقائد أعلى هو الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى عاهد شعبه على حمايته وأرضه من كل خطر، وها هو ينتصر فى كل الحروب التى خاضها ضد الفقر والجهل والإرهاب، ووضع خطًّا أحمر لم يستطع أحد تجاوزه إلى الآن.