اعتادت الجماهير المصرية العاشقة لكرة القدم متابعة الدوريات الأوروبية الكبرى بحالة من الانبهار المصحوبة بالشغف والاستمتاع بكرة القدم السهلة الممتعة والحضور الجماهيرى الكبير والتشجيع المثالى، ففى الوقت الذى يتمنى الجميع أن ينافس الدورى المصرى نظيره الإنجليزى أو الإسبانى فى المتعة والقوة والإثارة والحضور الجماهيرى، إلا أن هناك أسئلة شائكة يرددها البعض، منها متى نصل لهذا المستوى الكروى، وهل الأمر يرجع لاختلاف الثقافات أم إدارة المنظومة الكروية أم كلاهما؟، وتضيع الإجابات بين هتافات التشجيع ومتعة الأداء وروعة الأهداف.
فى الدورى المصرى انشغل الجميع بمعارك فرعية فرضتها فترة الفراغ الكروى بسبب توقف كورونا، بدءاً من خناقة القطبين على لقب نادى القرن وما تبعها من تراشق بالألفاظ وتوجيه الشتائم والاتهامات، وإطلاق التصريحات والفضائح ليتحول التنافس الرياضى إلى ساحات السوشيال ميديا لمجرد ركوب الترند، وباتت بعض البرامج الرياضية أشبه بالفقرات الكوميدية التى يتابعها الكثيرون، كل ذلك كانت نتيجته إفراز نوع من الاحتقان والتعصب بين الجماهير، واتجه البعض لتكوين تحالفات واستقطاب مسئولي الأندية لعدم استكمال المسابقة لمجرد حرمان الخصم من التتويج باللقب، بدلاً من البحث عن حلول والنهوض بالكرة، حتى جاء إعلان قرار عودة النشاط الكروى بفرمان حاسم من رئيس الحكومة.
أما فى الدوريات الأوروبية فاجتمع مسئولو الأندية فى هدوء لدراسة تداعيات أزمة كورونا للخروج بأقل الخسائر، واتفق المسئولون عن الرياضة على ضرورة إعلاء المصلحة العامة باستكمال المسابقات وإنقاذ الأندية، وهو ما حدث فى الدورى الألمانى والإسبانى والإنجليزى وغيرها من الدوريات، فلم يشغل أحد نفسه بمعارك فرعية، ولم يخرج مانشستر سيتى مثلاً للمطالبة بعدم استكمال البريميرليج ليظل محتفظاً باللقب وتعويض نتائجه المخيبة فى الموسم المقبل وحرمان ليفربول من التتويج باللقب، ولم يقد مسئولو بوروسيا دورتموند ـــــــ صاحب المركز الثانى فى الدورى الألمانى قبل توقف كورونا ــــــ حملة لتحريض الأندية على عدم استكمال الدورى لحرمان البايرن من التتويج باللقب، وركز مسئولو الأندية على التعامل باحترافية شديدة لتحقيق أكبر المكاسب فى موسم كورونا، وهو ما تحقق، لذا لم نرَ نسخة فاروق جعفر "الإنجليزى" أو "الإسبانى" أو "الألمانى" يطلق تصريحات مثيرة للجدل ينتج عنها معارك كروية للتشكيك فى نزاهة التحكيم وتتويج الخصوم بالبطولات ويشغل الجميع فى معارك وهمية.
الدوريات الأوروبية حينما ركزوا فى كرة القدم والاستثمار فيها نجحوا وأنجزوا، والدليل على ذلك ما حدث هذا الموسم حينما تعاونوا على الخروج من أزمة كورونا، وظهر ذلك فى معظم المسابقات، حيث تم استكمال الدورى الإنجليزى وانتهى بتتويج ليفربول، والدورى الإسبانى بتتويج ريال مدريد، والدورى الألمانى بتتويج بايرن ميونخ، فى الوقت الذى مازالت أندية الدورى المصرى غارقة فى خلافاتها واقفة محلك سر وتستعد لاستئناف الدورى.
كرة القدم فى أوروبا "صناعة" يعى الجميع أهميتها وضرورة الاستثمار بها وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها، بدءاً من تخصيص فرق الكشافين للتنقيب عن المواهب وتنميتها وتسويقها وتحقيق أرباح منها، أما فى الدورى المصرى فنجد الاهتمام بالاستثمار فى كرة القدم أقل، وإن كان ينحصر فى بعض الأندية أبرزها المقاولون العرب، الذى يعتبره البعض "منجم ذهب" فى الاستثمار الرياضى، بعدما أخرج العديد من المواهب الكروية فى تاريخ مصر، ومنهم عبد الستار صبرى ومحمد صلاح ومحمد الننى والذين حققوا نجاحات كبرى فى الاحتراف الأوروبى وباتوا مثالاً حقيقياً للاستثمار الكروى الذى يتمنى أى نادٍ تحقيقه، بالإضافة إلى طاهر محمد طاهر الذى انتقل إلى الأهلى ويتنبأ له الجميع بمستقبل احترافى ناجح.
يجب على القائمين على الرياضة المصرية التعامل مع كرة القدم كصناعة يجب تطويرها والاستثمار فيها من جميع الجوانب، بدءاً من تخصيص فرق الكشافين للتنقيب عن المواهب وتنمية تلك المواهب والاهتمام بقطاعات الناشئين وتزويدها بأحدث وسائل الكرة العالمية وتسويق اللاعبين بشكل جيد فى الدوريات الأوروبية، بالإضافة إلى تطبيق سياسات مرنة فى السماح للاعبين بخوض التجارب الاحترافية، والتعامل باحترافية فيما يخص تعاقدات اللاعبين والصفقات وغيرها من الأمور للنهوض بالكرة المصرية والتي تمتلك العديد من المقومات والكفاءات للوصول إلى العالمية.