حديث المقاطعة الذى يصاحب إجراء أى انتخابات أو استحقاق دستورى فى مصر بات مملا ولا معنى له ومبرراته غير مقبولة وغير منطقية.. فكافة الأسباب التى كان البعض أو الكثير يتحجج بها فى الماضى من تزوير وتسويد البطاقات وعدم وجود إشراف قضائى وغيرها قد تم إزالتها والتخلص منها وشهدت الانتخابات البرلمانية والرئاسية عقب ثورة يناير وثورة 30 يونيو معدلات عالية للنزاهة داخل لجان الانتخابات وجاءت النتائج معبرة عن عملية التصويت.. وعكست ارتفاع وارتقاء منسوب الوعى السياسى لدى المواطن العادى واهتمامه بالإدلاء بصوته رغم محاولات التشوية والهجوم والأكاذيب ضد كل استحقاق دستورى وخاصة بعد ثورة 30 يونيو.
المشاركة والحرص على الإدلاء بالصوت هو حق دستورى ينبغى عدم التخلى عنه والتفريط فيه مهما بلغت درجة التحفظات والملاحظات على الانتخابات وخاصة انتخابات مجلس الشيوخ التى تجرى اليوم وغدا داخل مصر.
هناك ملاحظات وتحفظات على هذه الانتخابات.. لا أحد ينكر ذلك أو يتجاهلها لكن ليس معنى ذلك السلبية وعدم المشاركة.. فمسألة المشاركة فى هذا الاستحقاق لا تتعلق بمصر فقط بل لها مغزى ورسالة سياسية للعالم حولنا سواء فى منطقة الشرق الأوسط أو باقى العالم ..فمصر رغم كل هذا الاضطراب والتوتر والقلق الأمنى والسياسى حولها فى العديد من دول المنطقة ورغم التحديات الخارجية والداخلية ايضا التى تواجهها، تسير قدما فى استكمال بناء مؤسساتها السياسية والدستورية بتأسيس الغرفة البرلمانية الثانية مثلها مثل الدول الديمقراطية العريقة.. وهذه هى الرسالة والمغزى أيضا الذى يجب أن يبعث به إقبال المواطنين المصريين الى دول العالم لإدهاشه كما أدهشوه فى المرات السابقة.
فالعالم حولنا مندهش بالفعل.. كيف لدولة تعيش فى محيط قلق ومشتعل تستطيع أن تجرى انتخابات وتستكمل مؤسساتها السياسية وتمضى فى عملية التنمية بإصرار وعزيمة ويفتتح قائدها المصانع والمنشآت والمزارع والطرق والمحاور ويتابع خطة الصعود والنمو ولا تتوقف عجلة الإنتاج والعمل رغم الظروف السياسية والأمنية والصحية.. بالتالى علينا أن نجعل العالم منبهرا ومندهشا بما يجرى خلال اليومين القادمين.
انتخابات مجلس الشيوخ هى تجربة جديدة فى ظل دولة 30 يونيو ولا علاقة لها بالصورة الذهنية التى لازمت مجلس الشورى طوال 35 سنة منذ إنشائه عام ١٩٧٩، التجربة الحالية قد تختلف بالصلاحيات المحددة والمهام الواضحة- كما نص قانون المجلس- وألا يكون دوره هامشيا..
مجلس الشيوخ له أهداف محددة وطبيعة مختلفة عن البرلمان، بالتالى لن تجدى معه ألاعيب وأساليب الانتخابات التقليدية والقديمة لأنه مجلس من اسمه من المفترض أن يضم أصحاب الخبرات والعقول العلمية والمتخصصة القادرة على المناقشات السليمة لمشروعات القوانين التى يحيلها الرئيس أو البرلمان إلى مجلس الشيوخ .
وهنا نستطيع الإجابة على الأسئلة التى تدور فى أذهان البعض.. ما فائدة المجلس وماذا سيقدم للحياة النيابية فى مصر طالما لدينا برلمان وهل سينافس مجلس النواب مثلما كان يحدث فى السابق فى ظل الصراعات السياسية بين أجنحة نظام الحكم السابق.
أقول أن العودة إلى انتخاب مجلس الشيوخ من جديد استدعته الحاجة إلى الخبرات والكفاءات التي تكون بهذا المجلس، حيث تحال إليه القوانين قبل إرسالها إلى مجلس النواب لدراستها وإبداء الرأي فيها، وهذا بدوره يخفف العبء عن كاهل مجلس النواب
الذى أثقل بقوانين كثيرة جدا في أعقاب الثورات، حيث أصبحنا بحاجة إلى الكثير من القوانين، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو في كل المجالات، حيث كان هناك عدد كبير من التشريعات تدخل إلى مجلس النواب، ونحتاج إلى إنجازها على وجه السرعة وهو ما يمثل إثقال بشكل غير عادي على الأعضاء، ثم تعاد تلك القوانين إلى مجلس الدولة، وهنا كان يحدث شبه خلط بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية".
بالتالى ومع عودة مجلس الشيوخ المصري بضوابط الترشح المعروفة عند التقدم للترشيح، التي تختلف عن ضوابط الترشح لمجلس النواب، حيث يشترط في المترشح للشيوخ أن يحمل شهادة علمية لا تقل عن مؤهل عال، و فإن أعضاء المجلس يكونون من الكفاءات المختلفة والمتنوعة، ويستطيعون دراسة القوانين بشكل متأن وبحرفية أكبر، حيث سيجمع المجلس بين تخصصات عدة".
كما أن هناك ميزة مهمة فى مجلس الشيوخ هى أن ثلث المجلس معينين من الرئيس وفق معايير تجمع كل التخصصات، حتى تكون دراسة المجلس للقوانين دراسة متخصصة، وبالتالي عندما يصل القانون إلى مجلس النواب لا يكون بإرادة شعبية فقط، وهنا يقوم مجلس النواب بإقرار القانون بالشكل السياسي والشكل الذي يرضي الشارع.
فغالبية المعينين سيكونون من أصحاب الخبرات المكتسبة في مجالهم، وفي جميع الدول يتم استقطاب تلك الخبراء للاستفادة منهم لصالح الوطن بشكل عام.
المرحلة الجديدة تستدعى وجود مجلس شيوخ يليق بمصر الجديدة ويتناسب وحجم المخاطر والتحديات، ليتفرغ مجلس النواب للتشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية؛ ومن ثم تتضافر جهود الشيوخ والنواب فى دعم وتعزيز مسيرة العملية الديمقراطية ومسيرة الوطن نحو تعميق وترسيخ قواعد بناء الدولة المدنية الحديثة.
انزل وشارك ولا تلتفت لأية انتقادات أو مهاترات ومعلومات مغلوطة وصورة ذهنية سلبية أو انتقاص لقدر مجلس له دور مهم فى الحياة البرلمانية فى مصر فى ظل دولة 30 يونيو.