معضلة كبيرة ومتاهة وتوهة أن تعيش زمان في خيالك ليس له وجود على أرض الواقع، وترفع شعارات، انخفضت في كل مكان عدا عندك، وتتمسك بثوابت أفلتها الجميع، وماتت تماماً، لم تعد حية سوى في وجدانك وحدك، تلك هي اللحظة التي تستطيع فيها أن تقول إنك انفصلت تماماً عن الواقع، وعليك أن تنتظر الصدمة تلو الأخرى.
غضب كبير هنا، وفرحة مفرطة عند المنافس، وسخرية، واتهامات، وكذب، وتبرؤ، هذا ما تعيشه الرياضة المصرية منذ يومين، بعد أن أعلن النادي الأهلي توقيع لاعبه رمضان صبحي لبيراميدز، وانتهاء علاقته بالأحمر.
نبدأ بالغضب، ونقول إنه جماهيري خالص، منبعه هؤلاء الذين يحبون وحدهم دون مقابل، بل هؤلاء الذين يحبون فقط دون غيرهم، مجموعة من الناس أحبوا شيئاً فأخلصوا له دون مقابل، ثم مارس هذا الشيء أناس فأحبوهم دون مقابل، ولأنهم انفصلوا بمبادئهم وحبهم المخلص وشعاراتهم الخيالية الراقية عن الواقع، فإنهم بدأوا يتلقون الصدمة تلو الأخرى، والضربة وراء الضربة، والغدر بعد الغدر، رغم أنهم وحدهم بين كل هذه المنظومة الذين أخلصوا تمام الإخلاص، دفعوا ولم يتقاضوا، ليس لهم أي مصلحة مادية أو معنوية، اللهم إلا سعادة وقتية، بسبب أقدام تحصد الأموال الخرافية.
كل منظومة لها وعليها، بل في مصر ما على المنظومات أكثر مما لها، عدا منظومة الجماهير، تلك الفئة التي لا عليك سوى انتظارها حيث تحتاجها ستجدها فوراً، يحزنهم الآن أنهم كلما انتظروا أحداً وجدوه حيث يرفضون ويكرهون، كلما طلبوا من معشوق قديم رد الجميل، حصدوه غدراً.. هؤلاء فقط، هم المنظومة الأنجح والأكثر حباً وإخلاصاً، دون نقاش، وكل ما دونهم يحتمل النقاش.
الأندية لا تلد لاعبين... وليس للأندية أبناء شرعيين غير مشجعيهم، هذه هي الحقيقة التي نعيشها هذا الزمان، وكل استثناء في ذلك سيكون بعدد أصابع اليد الواحدة، أما باقي عدد أفراد المنظومة فهم _ على كثرتهم _ ليسوا أبناءً سوى لأموالهم ومصالحهم، هذه هي أسرتهم الوحيدة، وكل حديث عكس ذلك، هو حديث مكذوب ينطق به كذوب، لأنك لو استعرضت التناقضات المتعددة من رافعي شعارات الوهم، وبائعي الكلام للجماهير، ستجد كذباً يشيب له الولدان، وتناقضات يخجل منها أكثر أهل الأرض بجاحة، ومن ثم لم يصبح من العقل الحديث عن وجود أبناء للأندية، حتى أولئك الذين أنقذتهم الأندية من على أرصفة أوروبا، فعالجتهم، وأعادتهم للحياة مرة أخرى، بعدما سبق لها الحصول عليهم من على أرصفة مصر، وكبرتهم وعلمتهم وقدمتهم للمنظومة، فمن تنكر لجميلك الأول، لن يرد الثاني، لأنها ببساطة أشياء لا تشترى.
ما لا يعجبني في ردود أفعال جماهير الأهلي تحديداً هنا، حالة جلد الذات من البعض، والحديث عن حسام عاشور وأحمد فتحي، وكثير من المغالطات التي وجب على الجميع وضع أمورها في نصابها، والتأكد من أن الأهلي لو كان مسماه "النادي الأهلي للخدمات الأهلية والجمعيات الخيرية" لما وافق على دفع 10 ملايين جنيه سنوياً لحسام عاشور، كي يجلس باحترام على الدكة، أو يلعب دقائق فيقدم باصات عرضية للخصم، تضيع البطولات، كما في مباراة الترجي، وهدف أنيس البدي الشهير.
ثم هو الأهلي أيضا الذي لم يكن ملزماً بتعاقد خيالي لأحمد فتحي الذي يقضي مواسمه الأخيرة في الكرة، وباتت عدد أهدافه في نفسه، بالخطأ، تساوي عدد أهدافه في الخصم، أو يمنح شريف إكرامي فرصة إهدار بطولات أفريقية أخرى، من خلال استقبال أهدافاً كوميدية أخرى، وعليه فلا معنى أبداً لجلد الذات، وعلى الجمهور أن يعرف أن ما حدث بلغة الاحتراف صحيح، وبلغة المبادئ، مقبول في القرار النهائي، ولنا حديث في التفاصيل، وهو الصحيح بلغة الحفاظ على المال العام.... لكن هناك خطايا أهلاوية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها، بحجة أن القرار النهائي كان صحيحاً
غير الصحيح لم تكن خسارتك للاعب، بل سبق ذلك خسارتك لمبادئك ولقيم تربوية، حيث دللت هذا اللاعب أكثر مما يستحق، وتنازلت له، وتجاوزت، وتجاهلت عقابه وتربيته، وكان عقابه المنطقي هو أن يبيعك هذا اللاعب، ويضعك دون قدرك.. الكارثة ليست في عدم توقيع أحمد فتحي، بل كانت في انتظار تسويف ومماطلة فتحي، وليست في خروج رمضان، بل كانت في التجاوز عن خطايا رمضان، وتدليل رمضان، وإغفال عقابه على الأخطاء المتكررة، والتجاوز... الكارثة هنا أنك خسرت الاثنين معاً.. خسرت نفسك ومنظومتك ومبادئك، ثم خسرت أيضا اللاعبين الذين أعطيتهم أكثر مما يستحقون، ورفعتهم فوق أقدراهم، فوضعوك دون قدرك.
في النهاية، لا لوم ولا ملامة، فيما يتعلق بالجماهير، ولا لوم فيما يتعلق بالقرار النهائي في كل الحالات الأخيرة بالأهلي، بدءاً من حسام عاشور، مروراُ بأحمد فتحي، انتهاء بالسيد رمضونا، غير أن كل اللوم للشكل الذي ظهرت به الأحداث، وسارت به الأمور.. ونتمنى أن يخرج مسئولو الأهلي من كل هذه الأحداث بدروس، تفيدهم مستقبلاً، وتخبرهم أن بداية الخسارة هي بيع المبادئ، وتعطيل القرارات التربوية أولاً.