لماذا ينجح القطاع الخاص؟ سؤال يحتمل الكثير من الإجابات، فالموضوع مرتبط بالعديد من الجوانب الفنية والإدارية، خاصة أن الموروث عن الوظيفة العامة في مصر أنها دائمة أبدية، لن يأخذها منك أحد، وستحصل على حوافزك وبدلاتك ومكافآتك كاملة، حتى لو كانت شركتك أو مصنعك أو الكيان الذى تعمل فيه، يحقق أكبر الخسائر، وهذا ربما أخطر ما في القضية، فكثيرا ما نرى قطاعات حكومية خاسرة على أرض الواقع، إلا أنها مازالت تجنى أرباحا على الورق، وتصرف مكافآت وعطايا رغم موقفها المتعثر.
هذه المقدمة الموجزة، أحاول من خلالها الدخول إلى صلب الموضوع، وهو كيف استطاع العمل الخاص فى مصر تحقيق نجاحات وقفزات هائلة، وفى ظنى يعود هذا إلى عدة عوامل، أهمها شعور الموظف أن العمل والإنتاج أساس النجاح، وكلما أعطى وقدم، سيكون الجزاء على قدر السعى، فالأمر لا تحكمه معايير الحب والكراهية أو العلاقات الشخصية، بل تحكمه قواعد الجودة الشاملة، التي اتفقت عليها الشركة أو المؤسسة مع العاملين، لذلك تجد الجميع في قارب واحد دون فوارق أو تمييز، والمعيار هو الكفاءة المرتبطة بالإنتاج كما وكيفا.
دائما نتساءل لماذا تنجح شركات النقل الجماعي الخاصة كمثال وتتراجع هيئة النقل العام، وتخرج من المنافسة، مع العلم بأن من يعمل فى الأخيرة يمتلك الخبرة والأصول وقادر على تحقيق معادلة النجاح بفرص أفضل، إلا أن الجو العام وفكرة الموظف والروتين والبيروقراطية الصارخة، التي تحكم معايير العمل والإنتاج منذ عشرات السنين، دون تطوير أو ابتكار حولت المكاسب إلى خسارة، وجعلت من العامل المؤهل إلى موظف مازال يفكر بمنطق " إن فاتك الميرى.."
وحتى تتضح الأمور أكثر دعنى أضرب مثالا عمليا حدث معى شخصيا قبل عدة أيام فى واحد من أكبر البنوك الخاصة فى مصر، وتحديداً فرعه بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، فقد كنت أحاول الحصول على خدمة مصرفية، ووقع الاختيار على خدمة العملاء، وموظفة شابة تدعى "شروق"، التى قدمت نموذجا مشرفا لصورة خدمة العملاء، وأعطت دليلا عمليا أن البنوك الخاصة فى مصر تحسن اختيار من يعمل فيها، فكل شيء يتم كما ينبغي أن يكون، التعامل ببساطة شديدة تشعرك أن البنك يخاف على مصلحتك ويقدم لك نصيحة حقيقية، دون أن يكون الهدف استغلال أو توريط، كما يحدث في بعض القطاعات الأخرى، لذلك لابد أن أشيد بنموذج "شروق"، حتى نسعى لتوطينه فى كل مكان، البنوك ، المطارات، الفنادق، المستشفيات، المرور، الكهرباء، مكاتب خدمة المواطنين، المحافظة والحى والوحدة المحلية... والموضوع لن يحتاج أكثر من تدريب جيد على فنيات العمل، واستقبال العميل بابتسامة هادئة، فالمعادلة ليست مستحيلة كما يتصور البعض، لكن تتطلب إرادة ووعى بدور الموظف العام أو من يقدم الخدمة للمواطنين.
مازلت أتذكر الدكتور على عجوة، عميد كلية الإعلام الأسبق، عندما كنت طالباً في السنة الأولى بالكلية، قبل نحو 18 عاما، عندما أخبرنا بحكمة صينية شهيرة تقول:" إذا كنت لا تستطع الابتسام فلا تفتح دكانا"، وهذه الحكمة تمثل نواة لعلم العلاقات العامة، الذى يربط دائما بين جودة الخدمة وبشاشة الوجه وحسن استقبال الناس والتعامل معهم، وقد فطن إلي هذا الأمر أهلنا فى صعيد مصر العظيم، منذ قديم الأزل، بقولهم الشهير : " لاقينى ولا تغدينى"، كدليل على أن حسن اللقاء قادر على إزالة أى عقبات أو مشاكل.. وفى الختام، أتمنى أن تكون النماذج الطيبة فى كل مكان على أرض هذا البلد الطيب.