1 - واحدة من فلسفات النظم البرلمانية «مثل بريطانيا أو الهند» وشبه الرئاسية «مثل روسيا وفرنسا» أن يكون هناك فصل بين منصبى رئيس الدولة ورئيس الحكومة؛ فيكون الأول هو رمز استقرار المؤسسات والحكم بينها، ويكون الثانى هو المسؤول عن إدارة الإيقاع اليومى للقرارات والسياسات.
2 - أما النظم الرئاسية التى لا يوجد فيها رئيس وزراء، فهى عادة ما تكون نظما فيدرالية، يكون لكل ولاية فيها حاكم منتخب يكون مسؤولا عن إدارة شؤونها، ويهتم رئيس الدولة فقط بالقضايا الفيدرالية مثل السياسة الخارجية والمالية والنقدية والقوانين الوطنية التى تضمن سلامة الاتحاد وإقرار موازنة الدولة والأمور العابرة للولايات أى التى تعنى بأكثر من ولاية، ولهذا فهذه النوعية من النظم ليست بحاجة لرئيس وزراء لأن حكام الولايات يقومون بمهامه.
3 - وبهذا المعنى يكون رئيس الوزراء حيث يوجد بمثابة «فيوز» نظام الحكم. فيوز بالمعنى الكهربائى للكلمة أى الذى «يضرب» أو «يفصل» أول ما ترتفع درجة حرارة الأسلاك على النحو الذى يهدد كل أجهزة المنزل أو المبنى أو المصنع. رئيس الوزراء بمعنى من المعانى هو فيوز النظام الحاكم الذى «يفصل» الحرارة أو الكهرباء العالية عن مؤسسات الدولة الأخرى.
4 - هناك خطر قائم فى ألا يلعب رئيس الوزراء هذا الدور، بمعنى ألا ينظر إليه من قبل الرأى العام أنه المسؤول عن القرارات الخاطئة أو السياسات غير السليمة. هنا نعرض رئيس الدولة، الذى هو بحكم فلسفة نظامى الحكم البرلمانى وشبه الرئاسى مصدر الاستقرار والحكم بين المؤسسات وفوق الصراعات والخلافات السياسية.
5 - ولنتأمل ما يلى: ماذا لو كان مبارك فى يوم 25 أو 26 أو 27 أو 28 يناير قد قبل استقالة رئيس الوزراء ومعه وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي؟ أتخيل أنه ربما كان مبارك حكم لآخر يوم فى حياته.
6 - ولنتأمل ما يلى: ماذا لو كان مرسى فى أى وقت خلال الفترة من مارس حتى يونيو قد قبل استقالة رئيس الوزراء ومعه الوزراء المحسوبون على الإخوان أملا فى أن ينفد بجلده؟ أتخيل أنه ربما كان استمر فى الحكم لفترة أطول، وإن كنت أظن أنه ما كان ليبقى طويلا لكن على الأقل كان أعطى لنفسه فرصة أطول قليلا.
7 - «الفيوز» مهم لأنه الضامن لأن تكون هناك مساحة من حرية الحركة لرئيس الدولة كى يأتى بأشخاص جديدة وبفكر جديد وبمنهج جديد فى إدارة شؤون البلاد.
8 - أحترم فى الرئيس السيسى شجاعته وهو يقول: «ما فيش حاجة ببلاش بعد كده». وهذا كلام حق يراد به حق. ولو كان رؤساء مصر السابقون على نفس هذا الخط لما وجدنا هذا الكم من الهدر فى موارد الدولة والتى فى النهاية يدفع المواطن ثمنها ولكن بطريقة عبثية، فتمثل الحكومة أنها تدعم، ويمثل المواطن أنه يتلقى الدعم فى حين أن وجود سعرين لأى سلعة أو خدمة يعنى وجود فئة من المنتفعين الذين يستغلون الفجوة بين السعر الأصلى (سعر التكلفة) والسعر المدعم. يغتنى هؤلاء على حساب الدولة ومن ثم على حساب المواطن.
9 - ولكن لا أتمنى للرئيس السيسى أن تظل صورته الذهنية أنه هو المسؤول عن ارتفاع الأسعار وتقليص الدعم رغم يقينى بأنها فى النهاية سياسة سليمة للحفاظ على الموارد ومن ثم الحفاظ على حقوق المواطنين.
10 - ينبغى أن تكون سياسة الحكومة وهى المسؤولة عن تطبيقها ورئيس الوزراء مطالب بأن تطبق هذه السياسة على النحو الذى يضمن أقل قدر ممكن من معاناة المواطنين وأكبر قدر ممكن من مصلحتهم.
11 - رئيس الدولة هو رئيس الدولة المحافظ على استقرار مؤسساتها ورئيس الحكومة هو المسؤول عن تطبيق السياسات، والرأى العام لا بد أن يرى الفرق بين المنصبين وأن يقتنع به.
هذا ما أمكن إيراده وتيسر إعداده، وقدر الله لى قوله.