قبل نحو خمسة عشر عاما، استيقظ الشارع المصرى على تصريح مهم من "زكريا عزمى" أحد كبار المسئولين في الدولة، وقتئذ، عندما قال داخل البرلمان "الفساد في المحليات للركب"، التصريح لم يكن صداما للمواطن العادي، فالجميع كان يدرك حجم الفساد في المحليات.. فهذا برج سكنى من 15 طابقا تم بناؤه بدون ترخيص، يلتهم المرافق بالمنطقة، وتلك مبانى تم بناؤها على أرض الدولة، وهذه أراضى زراعية جُرفت ليشيد عليها أصحابها "كتل خرسانية" تخصم من نصيبنا ونصيب أولادنا وأحفادنا من الزراعة ومنتجاتها.
الصدمة الأكبر، أننا اعتدنا على هذا الفساد والقبح، وكنا مدركين أنه فساد، وأن الأنظمة القديمة تعاملت معه كأنه جين وراثى خاص بالمصريين، متأصل في الجهاز الإداري للدولة.. لكن المصيبة الأكبر، أن أجهزة الدولة طوال السنوات الكثيرة الماضية لم تتخذ خطوة جادة، مواجهة هذا الفساد، الأكثر غرابة وصدمة أننا جميعا كنا نرفض هذا الفساد وهذا العبث في البناء العشوائى المخالف الذى يهدد حياتنا، ومع هذا الرفض كنا نتعامل به كأمر واقع، نطالب بمحاربته وإنهائه ومحاسبة المسئولين عنه، إلا أن نمارس هذا الفساد.
"في أوروبا والدول المتقدمة ما بيحصلش كده"، "اللي بيبني في الخارج بدون ترخيص، أو يخالف "كود" البناء، أو يبني على أرض الدولة، بيتحاسب، وبيدفع غرامات كبيرة وممكن يتحبس".. كل هذه الجمل كنا نرددها، ونتمنى أن نصبح مثل "أوروبا والدول المتقدمة"، إلى أن اتخذت الدولة المصرية قرارها بأن تحذو حذو الدول الكبرى، التي تعتبر البناء المخالف جريمة يجب تقنينها، وحق مسلوب يجب أن يعود للمواطنين الذين تضرروا من شخص أو مجموعة أشخاص قرروا "يخالفوا" ويستولون على حقوق غيرهم في المرافق، فالعقار الذى تم بناء 8 طوابق مخالفة عليه، ليزداد الربح الحرام لمن بناه، بعد أن استولى على مرافق "كهرباء، وماء، وخدمة صرف صحى، وطرق" مستوليا على حقوق الآخرين من خدمات.
عندما كنا نسافر خارج مصر نتحسر على حال بلدنا، وفى نفس الوقت عندما بدأنا نسير على كتالوج الدول المحترمة رفض وولول أصحاب النفوس المريضة، وباتت جملة "احنا مش زي بلاد برة"، رغم أننا بدأنا نسير في الطريق الصحيح لنصبح "دولة محترمة" تحترم المواطن وحقوقه الأساسية في الحياة الكريمة، تلك الحقوق التي يختزلها البعض في أمور شكلية ـ قد تكون مهمة في وقت لاحق ـ لكن الأهمية القصوى تكمن في حقوق إنسانية ملحة، منها المسكن الآمن كامل المرافق الذى يليق بالمواطن المصرى.
سؤال بسيط يجب أن نجيب عنه عند مناقشة أحد أهم القوانين المصرية التي تنظم حياة المصريين، وأحد أهم الاحتياجات الإنسانية "المسكن" وهو قانون "التصالح في بعض مخالفات البناء"، هل يمكن أن نعترض على قانون يحمينا من فساد طالبنا من سنوات بإبادته، خاصة أن القانون نفسه ولائحته وجه الغرامات وقيمة التصالح إلى المواطن نفسه في صورة خدمات مهمة يحصل عليها، ولما نقبل أن نعيش أو نبني عقارا مخالفا يهدد حياتنا وحياة غيرنا.