النظريات والراكبين لأدمغتهم
فى كل أزمة وحدث يخرج خبراء يفتون فى كل شىء، يتنقلون من حدث لآخر ويقدمون أعمق تفسيراتهم، لا فرق بين الفوسفات والطيران، أو القنوات والطرق والكبارى والحرائق والمعامل الجنائية والطبية. لا يمتلكون فضيلة التواضع، ولا ينتظرون إجابة، فقط نظريات، بعضها يقوم على معلومات مفبركة.
خبراء «الأى كلام» يسيرون وراء أى قصة محبوكة ومؤامرة مسبوكة، وآخر نظرياتهم ما تمخضت عنه عقليات معملية جنائية فذة، بأن الحريق فى محافظة القاهرة، صباح الخميس، التهم غرفة كانت تتضمن خرائط وأوراقا ووثائق، عن مخططات القاهرة، وهو ما يمثل جزءا من مخطط حرق الوثائق، بعد حرق المناطق. طبعا هؤلاء العباقرة العالمون ببواطن الأمور لا يسألون أنفسهم، أو من ضحك عليهم، كيف تظل الخرائط فى هذه الغرفة انتظارا للحارق الماحق!، فى زمن الميكروفيلم والحفظ الإلكترونى، والعادة أن الوثائق لا تُحفظ فى مكاتب، بل فى دور المحفوظات والوثائق والضرائب. طبعا أباطرة التفكير الجهنمى، لا يسألون، حتى لا تنجرح نظرياتهم، ويركبون أدمغتهم، وبعضهم يزعم قدرته على فهم السياسة، ولا يكف عن تقديم النصائح.. وادعاء المعرفة. المهم أن تتماشى نظرياتهم مع أمنياتهم، وتحليلاتهم الفشنك.
وعندما استعرضت بعض نظريات الفاعل الجنائى وراء حرائق القاهرة والمحافظات، وتحليلات تتبنى وقوف جهة أو تنظيم وارء الحرائق. قلت أنه مهما كانت هناك شبهات جنائية، علينا أن نأخذ فى الاعتبار كون الإهمال والعشوائية وغياب إجراءات الأمن الصناعى والفساد، أسبابا للحرائق، ومهما كانت المخططات. كثير من «خبراء الأى كلام» لا ينتظرون نتائج، ويشككون فى كل شىء ويتداولون كل افتراض على أنه حقيقة.
الأمر نفسه فى ادعاء أن الحرائق، بهدف إجبار الناس على إخلاء أماكنهم، قلنا إن النقل لإنقاذ السكان من الخطر، وإن هذا معلن من سنوات، ولا علاقة له بالحرائق. بعض المدعين فهموا أننى أتبنى نظرية النقل القسرى. وكل ما نفعله أن نستعرض آراء جهات التحقيق والمتخصصين. وليس خبيرا.
لكن خبراء «الأى كلام» جاهزون دوما بالتفسير الحاسم لكل كارثة، رأينا من يربط حرائق القاهرة والمحافظات بفاعل واحد، حسب الموقع من التأييد والكراهية. والأصل اتهامات، بلا دليل، غير بوستات لكسالى على مواقع التواصل، تنتقل إلى تابعين يرددونها. بعضهم يتحدث من موقع «الفهامة العلامة»، ومنهم خبراء أمن أو استراتيجية يروجون ما يتم إلقاؤه على مواقع التواصل حول شبهة جنائية أو مؤامرة، بينما هناك من يرى أن تعدد وسرعة أدوات النشر، تجعل الإحساس بكثرة الحرائق أكبر. وحتى لو كان وراء بعض هذه الحرائق فاعل، فإن السنوات الماضية تشير إلى أنه يقع يوميا أكثر من حريق، فى مواسم الحصاد فى الريف أو المصانع بلا أمن صناعى. وهذا لا ينفى الشبهة الجنائية، ولا المؤامرة، لكنه يكشف عن استسهال ويقين خبراء «الولاحاجة» لتفسير كل حاجة.