الإسلاموفوبيا خوف مرضى غير عقلانى من الإسلام والمسلمين له ثلاثة مستويات: الأول فكرى يتعلق بالمفاهيم والتصورات، حيث يتم النظر للإسلام والمسلمين على أنهم «استثناء» من المجتمعات، وأنه «استثناء خطر» على المجتمعات، وربما العالم أيضا، وهذه المفاهيم والتصورات تركز على إبراز التفسيرات المتطرفة والعنيفة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، لتسويغ اعتبار الإسلام والمسلمين خطرا على المجتمعات فى أوروبا والولايات المتحدة، مع إغفال كل التفسيرات الصحيحة، وهذا المستوى يقوم على تطويره بعض من الدارسين والباحثين فى الدراسات الاستشراقية غير الموضوعية فى عدد من الجامعات الأوروبية والأمريكية الذين - بحكم تكوينهم الدراسى - قد تشربوا أعمال بعض المستشرقين غير المنصفين فى نظرتهم للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
المستوى الثانى من الإسلاموفوبيا يتعلق بتشويه المسلمين وشيطنتهم والتحريض عليهم، ويقوم على هذه الخطوة مؤسسات عديدة من مراكز الأبحاث والإعلام التى تحدد بؤرة تركيز المواطن الغربى فيما يتعلق بنظرته للإسلام، فما أن تحدث جريمة ما أحد مرتكبيها ذى أصول عربية أو مسلمة حتى يتم التركيز على هويته، فتجد عنوانا يقول «مسلم يقتل....»، فى حين أنه لا يشار لديانة مرتكبى جرائم أخرى عديدة، وعلى الجانب الآخر لا يُذكر دين أى فرد مُبتكر أو مخترع ينتمى إلى الديانة الإسلامية إذا ما ظهر فى وسائل الإعلام، فيتم بذلك الربط بين الجريمة والإسلام ليتجذر فى ظن المتلقى هذا الارتباط ومن ثم يسهل التحريض ضد الإسلام والمسلمين، تمهيدا لقبول الإجراءات الأمنية ضد المسلمين كطائفة تنتقص من حقوقهم.
المستوى الثالث للإسلاموفوبيا يتمثل فى الانتهاكات الفردية والقيود والممارسات الإدارية والقوانين التى تستهدف حقوق المسلمين وحرياتهم فى المجتمعات الغربية التى يعيشون فيها، كحظر الحجاب فى المدارس العامة الفرنسية، وحظر بناء منارات المساجد فى سويسرا بناءً على استفتاء.
يتجلى الخوف من الإسلام أيضا فى وصم الدين بالتطرف، وما عززته بعض العمليات الإرهابية التى كانت تتخذ من الإسلام شعارا لها، وفى طليعة تلك الأحداث، حادث الـ11 سبتمبر 2001، ما أفسح المجال إلى موجة من التطرف العنيف التى شهدتها بعض الدول الغربية مع بروز الحركات اليمينية المتشددة التى تتسم بالعنصرية وتناهض وجود الأجانب بشكل عام، والمسلمين فى الدول الأوروبية على وجه التحديد.
ولا شك أن الإعلام الغربى له الدور الأكبر فى انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث تضاعفت موجات الإسلاموفوبيا خلال الفترة الأخيرة بشكل مبالغ فيه، نظرًا للصورة الإعلامية الغربية المشوهة التى يتم تصديرها عن المسلمين منذ الثمانينيات والتسعينيات، إضافة إلى تنامى تأثير الإسلام السياسى فى الفترة نفسها، كما أن الربيع العربى كان أيضًا علامة فارقة فى انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث تم رصد أعمال معادية للإسلام فى أستراليا، وهولندا وبريطانيا، وعند تدفق المهاجرين إلى نيوزيلندا، وزادت حدتها فى 2018.
الفتاوى المتطرفة هى أيضًا أحد الأسباب التى أفضت إلى زيادة وتيرة الأعمال الإرهابية، وبالتالى ازدياد خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، ونحن ينبغى مواجهتها بالدليل وبيان صحيح الدين وبيان عوار تلك الفتاوى أيضا، لذلك قمنا فى دار الإفتاء بإنشاء مرصد لرصد الفتاوى المتشددة والتكفيرية وما يترتب عليها من هدم وتدمير، ونظرًا لأهمية الفضاء الإلكترونى أنشأنا كذلك مجموعة من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى بلغات أجنبية عدة أهمها الإنجليزية والفرنسية والألمانية، لعلاج مثل هذه الأفكار، بالإضافة إلى إصدار مجلة بصيرة باللغة الإنجليزية و«إرهابيون» باللغة العربية، فضلا عن الجولات الخارجية التى يقوم بها فضيلة المفتى وعلماء الدار، لفضح تلك الأعمال التى يبرأ منها الإسلام.
ونحن مع بداية موجة جديدة من سعار الإسلاموفوبيا ينبغى علينا إعادة النظر فى التعامل مع القضية، فالتعامل مع ظاهرة الإسلاموفوبيا يحتاج إلى نظرة كلية شاملة بعيدًا عن النهج الدفاعى أو الاعتذارى، كما أنه يتطلب صياغة استراتيجيات شاملة ترسخ لقواعد عامة فى التعامل مع الظاهرة، وتحدد الأدوار والفاعلين الرئيسيين فى مختلف مناطق الظاهرة، وصولا إلى التعاون والتكامل فى الأدوار والأهداف بين كل المهتمين والمتعاملين مع الظاهرة فى الدول الغربية والعالم الإسلامى.