كلما قرأت فى سيرة النبى الكريم محمد، عليه الصلاة والسلام، خرجت معجبًا بعمه أبى طالب، فهو "نعم العم" الذى دافع عن ابن أخيه وحماه ومنحه الثقة اللازمة.لا أستطيع أن أحدد بالضبط المنطلق الذى تحرك منه أبو طالب تجاه محمد ابن أخيه، لكننى أتخيل أمرين، الأول المسئولية التى ألقاها عليه والده "عبد المطلب" عندما جعله مسئولا عن الصبى ذى الثمانى سنوات، يتيم الأب والأم، فقام بالمهمة خير قيام، والأمر الثانى إحساس دفين من العم بأن ابن أخيه فقد الحنان بموت والديه لذا سعى جاهدا لبث إحساس الطمأنينة داخل نفس الصبى.
المهم أن الله ألقى محبة بين أبى طالب وابن أخيه، كان يحبه، تقول كتب السيرة، إنه إن سأله أحد عن الصبى يقول "ابنى"، حتى أن الراهب الذى التقاه على أطراف الشام سأله، فقال أبو طالب "ابنى" فقال له الراهب ما معناه "هذا الصبى يجب أن يكون يتيما لا أب له" فقال أبو طالب "هو ابن أخى".
ومعادن الرجال الحقيقية تظهر وقت الشدائد، وهذا أمر حقيقى تماما، فأبو طالب لم يكن يحب ابن أخيه كى يقول الناس إنه رجل فاضل يحب اليتيم ويعطف عليه، بل كان يحبه بالفعل، فلما بعث النبى، عليه الصلاة والسلام، نصره عمه، ووقف فى وجه كفار قريش، تقول الكتب عندما تتحدث عن العذاب الذى لقيه المسلمون "أما النبى محمد فقد عصمه عمه"، وكان أهل قريش يحسبون مليون حساب لأبى طالب، يريدون إيذاء محمد فلا يقدرون خشية أبى طالب وخشية بنى هاشم من بعده.
وعندما علم أبو طالب أن ابنه "على" يتبع دعوة محمد، وكان "على" يكتم ذلك خشية أن يطلب منه أبوه أن يرتد، قال له أبو طالب ما معناه "اذهب وانصر ابن عمك"، وعندما انتشرت الدعوة، وشعرت قبائل قريش بالخطر الحقيقى، وفكروا فى قتل النبى، وطلبوا من أبى طالب أن يسلمه لهم ليقتلوه، تعجب كيف للرجل ان يسلم ولده للقتل، وبالتالى تحمل العقاب الذى فرضته القبائل على بنى هاشم عندما حبستهم فى شعاب مكة ثلاث سنوات، لم يقل أبو طالب لابن أخيه شيئا بل تحمل ذلك راضيا، تقول كتب السير إن أبا طالب كان يجعل النبى عليه السلام ينام فى فراشه حتى يراه المتطفلون المفكرون فى قتله، ثم إذا أوغل الليل جعله ينهض ويغير مكان نومه، ثم يجعل أحد أبنائه ينام مكان النبى، حماية له.
كان أبو طالب قيمة مهمة فى الحياة، نحتاجها بشدة، هى قيمة "العم" الذى يحمى ابن أخيه ويحلم له ويضحى من أجله، وعلى هذا الأساس تقوم الأسر وتقوى، لذا عندما مات "أبو طالب" حزن النبى عليه الصلاة والسلام، حتى سمى العام بعام الحزن.
بقى أن أشير إلى أن النبى كريم، ظل محتفظا لعمه بالفضل، ففاض بالمحبة على أبنائه، وعلى رأسهم الإمام على كرم الله وجهه، وعندما استشهد جعفر بن أبى طالب، دخل الرسول بيته فوجد فاطمة، رضى الله عنها تصرخ وتقول "وا عماه" فقال عليه الصلاة والسلام "على مثل جعفر فلتبك الباكية".