75 عاما أصبح عمر المنظمة الدولية الأكبر والأهم في العالم، ربما ساهمت خلالها في العديد من القضايا الدولية، عبر إرساء مبدأ تعزيز السلم والأمن الدوليين، إلا أن الدور الأبرز الذى لعبته الأمم المتحدة، منذ تأسيسها، كان إضفاء الشرعية للقيادة الأمريكية للعالم، منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما ساهم في تعزيز الدور الذى لعبته واشنطن، منذ بزوغها كقوى دولية بارزة، سواء إبان حقبة الحرب الباردة، أو بعد انتهائها وانفرادها بقمة النظام الدولى في أعقاب الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتى، في بداية التسعينات من القرن الماضى.
إلا أن ثمة تساؤل يبدو بارزا في السنوات الأخيرة، يدور حول ما إذا كانت الأمم المتحدة قد أصابتها الشيخوخة، بحيث لم تعد قادرة على القيام بدور كبير يمكن من خلاله تحقيق مبادئها أو فرض كلمتها، في ضوء العديد من الأزمات التي باتت تلاحق العالم، بداية من الفشل الدولى الذريع فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، أو التحركات الفردية التي تقوم بها العديد من القوى الدولية بعيدا عن غطاء المنظمة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها، والتي وصلت العلاقة بينهما إلى طريق يبدو مسدودا جراء الهجوم المتواتر الذى شنه الرئيس دونالد ترامب عليها منذ بداية حقبته، والذى وصل إلى حد الانسحاب من عدة منظمات تابعة لها، مما ساهم في زيادة أزمات المنظمة، بالإضافة إلى أزمات أخرى، أحدثها تفشى فيروس كورونا، والذى أودى بحياة ألاف البشر فى كل مناطق العالم.
وللحقيقة، فإن بداية ما يمكننا تسميته بـ"الترهل الأممى"، ليس وليد اللحظة، حيث بدأت التجاهل الدولى للمنظمة الدولية، منذ بداية الألفية، وإن كان ذلك بصورة خجولة، فالحرب التي شنتها إدارة جورج بوش الإبن على العراق، مثلا، لم تحظى بشرعية الأمم المتحدة، مما دفع واشنطن إلى استبدالها بـ"شرعية" التحالف الدولى في العراق، والذى شهد مشاركة رمزية من قبل بريطانيا وفرنسا، تهدف في الأساس لإضفاء الشرعية على التحرك العسكرى، بعيدا عن مدى الفاعلية العسكرية للقوى الأوروبية المشاركة في العملية، بعدما فشلت الولايات المتحدة في الحصول على "الشرعية الأممية".
وهنا أصبحت "شرعية التحالفات" بمثابة البديل الرسمي لـ"الشرعية الأممية"، وهو ما يبدو في ظهور العديد من التحالفات بين الدول التي تحمل نفس الأهداف تجاه قضية معينة، بل وأصبحت الأساس الذى ترتكز عليه القوى الدولية والإقليمية، بعيدا عن مواقف الأمم المتحدة، وهو ما يبدو على سبيل المثال في التحالف الدولى في الحرب على الإرهاب، الذى كونته الولايات المتحدة، للقضاء على تنظيم داعش الإرهابى في سوريا والعراق، لتصبح مشاركة الدول في مثل هذه التحالفات بمثابة مصدرا جديدا للشرعية بعيدا عن مواقف الدول المناوئة التي قد تغير مسارات القرارات داخل أروقة المنظمة الدولية، خاصة تلك التي تملك حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن.
التحالفات أصبحت في الوقت نفسه وسيلة القوى الدولية الداعمة للإرهاب، لشرعنة تحركاتها بعيدا عن المظلة الأممية، وهو ما يبدو في التحركات التي اتخذتها قوى الشر، في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط لدعم الميليشيات الإرهابية، وإنما أيضا للالتفاف حول قرارات الشرعية الدولية، في العديد من الدول التي ضربتها أزمات الفوضى والانقسام في أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربى"، على غرار محاولات تجاوز اتفاق "الصخيرات" في ليبيا، والذى يعد الوثيقة الأساسية التي تحدد مسار التسوية السياسية في الدولة التي مزقتها الفوضى.
معضلة الأمم المتحدة ربما تلامست معها الرؤية المصرية، والتي دعت مرارا وتكرارا لإصلاح المنظومة الدولية، عندما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى ذلك صراحة، عدة مرات، ليؤكد احترام مصر الكامل لشرعية المؤسسات الدولية، واحترامها، في الوقت الذى تسعى فيه العديد من القوى الأخرى تجاوزها، والالتفاف عليها.