بعد توقف 27 عاما تعود الحياة والدراسة من جديد إلى فرع جامعة القاهرة بالخرطوم، الطلاب من السودان الشقيق سوف يعودون الى مقاعدهم في كليات الآداب والعلوم والحقوق والتجارة مع التخصصات العلمية الجديدة في العام الدراسي الجديد.
أخيرًا يعود الفرع الى الجامعة الأم عقب الزيارة الأخيرة للدكتور مصطفى مدبولي للسودان وترحيب الدكتور محمد الخشت رئيس الجامعة بالقرار وتشكيل لجنة عليا بإشراف مباشر منه تعمل على الانتهاء من الاستعداد والخطط اللازمة لتشغيل الفرع بالخرطوم، بالتنسيق الكامل مع وزير التعليم العالى والبحث العلمى والجانب السودانى، حتی يسير الأمر على أفضل صورة فى ظل توجهات الدولة المصرية.. وحتى تعود الجامعة الأم الى أداء دورها الوطنى والقومى الحقيقى كأحدى أدوات القوة الناعمة لمصر في محيطها العربى.
جامعة القاهرة بالخرطوم تأسست عام 56 في عهد الزعيم جمال عبد الناصر وانتشرت مدارس البعثة التعليمية المصرية وساهمت بفاعلية في بناء النظام التعليمى المصرى وكانت من أكبر المدارس المصرية بالسودان مدرسة جمال عبد الناصر الثانوية بالخرطوم والكلية القبطية الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتعاظم الدور المصري فى التعليم بالسودان لتنتشر مدارسه بعدد من ولايات السودان، لتتوج هذه الجهود بإنشاء فرع لجامعة القاهرة فى العاصمة السودانية الخرطوم .
الانحسار والتراجع وعدم الرغبة ومحاولة الاغتيال وتداخل السياسة وتبادل التصريحات والاتهامات بين الدولتين في التسعينيات كانت له نتائج سلبية وسيئة على الدور الثقافي والتعليمي للمؤسسات المصرية في السودان الشقيق، ولم يستقر الأمر عند ها الحد بل تطور إلى أكثر من ذلك، فقد صادر الرئيس السابق عمر البشير الجامعة عام 1993 والتي بموجب هذا القرار حصلت السودان على مبانى ومنشآت الفرع وتم تحويله إلى جامعة النيلين ولكن لم يتوقف الفرع عن العمل وخصصت جامعة القاهرة مقرا بالحرم الجامعى فى مصر لاستقبال الطلاب السودانيين.
اذن العود أحمد للخرطوم.. ونتمنى أن تمتد جامعة القاهرة إلى باقى العواصم العربية وعواصم أو مدن أوروبية.. مثل الجامعات الأجنبية المنتشرة في مصر والعالم العربي.. فجامعة القاهرة هي أم الجامعات في مصر ومنارة التنوير وبوتقة الثقافة والفكر الحر والعلم الحديث ومنبع النهضة الوطنية ومصدر الشعور الوطنى في بدايات القرن العشرين للآلاف من شباب مصر التواق للحرية واستقلال مصر.
منذ انشاءها عام 1908 لم تكن جامعة القاهرة مجرد مكان أو حرما لتلقى العلم فقط بل منبرا للثقافة والفن والابداع وراية للفكر الحر في مواجه الفكر الظلامى والانغلاق الفكرى وتحت قبتها الأسطورية وساعتها الشهيرة تعانق العلم والفن .
تحت القبة غنت كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والشحرورة صباح، وتحدث تحتها الزعيم عبد الناصر العديد من خطاباته السياسية المهمة.
هذه هى جامعة القاهرة التى أرادها روادها ومؤسسوها، الشيخ محمد عبده، والزعيم مصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، منبرًا للعلم، ومنارة للثقافة والفن والإبداع.. ولا ننسى هنا الدور الذى قام به الدكتور جابر نصار رئيس الجامعة السابق في إعادة الجامعة الى مسارها الطبيعى وخاض حروب شرسة ضد أنصار الظلام.
واليوم وتحت رئاسة الدكتور محمد الخشت تواصل الجامعة دورها في اتجاه دعم جهود الدولة فى الحريات الدينية وتعزيز حقوق المواطنة والتصدى لازدراء الأديان، وغرس ثقافات التسامح وقبول الآخر وتحريم أشكال الاضطهاد على أسس دينية، وجهود الدولة ومؤسساتها فى مواجهة خطاب التحريض والتطرف الدينى، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الآخر.
انطلقت جامعة القاهرة فى كل أنشطتها الثقافية والفنية من تطبيق نصوص وثيقة الجامعة للتنوير التى تحدد هوية الجامعة ومساراتها الفكرية.