الشباب خرجوا للتعبير سلميا عن آرائهم فى قضية سياسية
هل تتفق معى أن أزمات مصر الداخلية فى الشهور والأيام الأخيرة هى أزمات بلا داع، كان يمكن تجنبها وتفاديها بقليل من الحكمة، والموائمة السياسية.
أزمات يتداخل فيها السياسى بالاجتماعى والاقتصادى والإعلامى، وتشكل نزيفا مستمرا من الخسائر السياسية والشقاق وتوسيع الهوة بين فئات ورموز اجتماعية وسياسية وإعلامية من المفترض أنها محسوبة على الدولة الجديدة بعد 30 يونيو، وليس فى عداء معها، وكان من الحكمة عدم اللجوء لأفعال وتصرفات تؤدى فى الأخير إلى فقدان هذه الفئات ووضعها فى خانة المعارضة الإجبارية واعتبارها من فئة « أعداء الوطن».
الأزمات الأخيرة تخلق مناخا سياسيا غير مريح، مازال فى الإمكان عدم التمادى فيه وإيجاد حلول فورية له بقرارات وأفعال تحسن من مناخ عدم الثقة والتوتر السياسى والاجتماعى الحالى، لأن استمرار الحالة يصب فى مصلحة أطراف أخرى تتربص بالبلاد، وتنتظر الفرص المواتية للانقضاض مرة أخرى بدعم من دول أخرى، وبعض الأزمات الداخلية المفتعلة تتيح لها الفرصة فى التسرب والتسلل و«ركب الموجة» وانتهاز الفرصة وهو ما يحدث حاليا.
فأزمة نقابة الصحفيين كان من الممكن احتواؤها سريعا، وفى صباح اليوم التالى مباشرة بقليل من العقل السياسى وعدم تركها لأهواء الانتهازية السياسية من بعض الأشخاص والجماعات وهواة الفوضى والعداء المبدئى للسلطة، وقبلها أيضا أزمة نقابة الأطباء. لكن التعامل مع هذه الأزمات بنفس المنطق القديم، انتصارا لنظرية «خليهم يتسلوا» هو ما يخلق هذا المناخ السياسى المتوتر.
ومع احترامنا وتقديرنا الكامل للقضاء المصرى وعدم التعليق على أحكامه، لكن فى التناول والتفسير السياسى لهذه ألأحكام، فإنه يبعث برسائل غير مريحة فى العلاقة بين الشباب والدولة، ويزيد من الفجوة والجفاء ويكسب عداءات مجانية من فئة ليست بالقليلة فى المجتمع. فهناك أكثر من 50 شابا، معظمهم من صغار السن، ومن طلبة الثانوية العامة والجامعات صدرت ضدهم أحكام فى الدعوة إلى الخروج يوم 25 أبريل الماضى للتعبير عن آرائهم فى قضية جزيرتى تيرانا وصنافير، وفى أقل من ثلاثة أسابيع، تصدر ضدهم أحكام، وبشكل سريع جدا، فى حين أن قضايا الإخوان وقادتهم مستمرة منذ أكثر من 3 سنوات. بالطبع هناك استئناف على الأحكام، لكن نناقش هنا المعنى السياسى والرسالة السياسية للداخل والخارج وكيفية استقبالها وتفسيرها. فهؤلاء الشباب خرجوا للتعبير سلميا عن آرائهم فى قضية سياسية، وشاهدوا «المواطنين الشرفاء» يتظاهرون أيضا بكل حرية وفى حماية الشرطة، ولم يتم القبض على أحد وتقديمه للمحاكمة.
هناك شباب حاول التعبير عن رأيه بعفوية من منطلق الغيرة على تراب وطنه وليس للتدمير والعنف والتخريب. والقيادة السياسية صرحت بأن هؤلاء شباب وطنى غيور على وطنه، وأبدت تفهما لدعوته للتظاهر. وفهم الناس بأنها رسالة بالعفو الرئاسى عن هؤلاء الشباب، حرصا على مستقبلهم التعليمى، وتعاطفا مع ذويهم.
لسنا فى حاجة لمزيد من الخسائر، خاصة من الشباب، ولا بد من وقفة عاجلة لوضع آلية واضحة لاحتواء هؤلاء الشباب، وليس اكتساب عداوته بلا داع، وبلا معنى سوى أن هناك رؤية وعقلا سياسيا غائبا ومفقودا فى التعامل مع أزمات الداخل.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة وجنون أسعار السلع الغذائية ليست فى حاجة لمزيد من الأزمات تزيد من حالة الغضب والاحتقان، فالأزمات السياسية ليست بمعزل عن الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية واتخاذ قرارات فورية قد تخفف من حدة هذا الاحتقان وتريح قليلا الأعصاب السياسية والاجتماعية المشدودة.