بالطبع صادفت يوما اتصالا من الشباب المسئولين عن المبيعات فى شركة تأمين أو مستشفى خيرى، أو جمعية خدمة مجتمع، أو مؤسسة مصرفية أو شركة عقارية، واستمعت أيضا إلى كل محاولات هؤلاء الشباب لإقناعك بشراء سلعة أو خدمة أو التبرع لهذه الجهة أو تلك، أو شراء وثيقة تأمين.
الكل يهرب دائما من الشباب المسئولين عن المبيعات، إلا أنه في واقع الأمر هناك قصة كفاح كبيرة خلف كل واحد منهم، حتى وإن لجأ المتعاملون معهم إلى ترشيح أرقام هواتفهم أو تجاهلها من باب " تجنب وجع الدماغ".
أغلب شركات القطاعين العام والخاص والجمعيات الكبرى المتخصصة في جمع التبرعات، وقطاعات التأمين على الحياة والممتلكات، تعتمد بصورة مباشرة على الـ " Sales " أو مندوبين المبيعات، وهم غالبا لا يحصلون على مرتبات شهرية، ويعملون بـ " القطعة " أو حسب الإنتاج، فتكون لهم نسبة على كل وثيقة تأمين مثلا، أو كل عميل يشترى شقة أو قطعة أرض، أو كل تبرع لجمعية خيرية أو مستشفى أهلية، ومن يفشل من هؤلاء الشباب في تحقيق المطلوب أو " التارجيت" يتم استبعاده فورا دون رحمة أو مراعاة لظروف يلتمسون فيها لقمة العيش ويسعون خلفها بأى طريق.
مع كل السخافات التى يتعرض لها مندوبو المبيعات من المستهلكين عبر الهواتف أو خلال اللقاءات المباشرة، إلا أنهم لا يفقدون شغفهم نحو العمل أو السعى طمعا فى استقرار أوضاعهم والتخلص من فكرة البطالة، التى تعتبر الهاجس الأكبر لأبناء الطبقات الفقيرة وبعض الطبقة المتوسطة، فلا يمتلكون مدخرات يتكئون عليها، وليست لديهم مؤهلات خاصة أو تخصصات نادرة يتميزون بها في سوق العمل، فأغلب هؤلاء مؤهلاتهم ما بين الحقوق والتجارة والخدمة الاجتماعية.
وحتى نقترب من الفكرة أكثر، فقد تعرضت لحالة الأسبوع الجارى تخص فتاة فى مقتبل الشباب، تحاول أن تبدأ فى وظيفة بأحد شركات التأمين الحكومية، وبالطبع لن تجد أمامها فرصة سوى في قطاع " المبيعات"، تلك الفئة التي تعمل بالإنتاج دون راتب، في مخالفة صريحة لكل قواعد العمل، التي يؤسس لها القانون وتكفلها الدولة، وعلى الرغم من اجتهادها وسعيها نحو بيع وثائق التأمين، مع العلم أنها وظيفة صعبة جدا وتحتاج إلى مهارات خاصة في الإقناع، إلا أنها أكلمت نحو عام في هذا العمل، ونجحت في جذب العديد من العملاء للشركة، بالإضافة إلى الحصول على التدريبات التي تشترطها هيئة الرقابة على التأمين، ورغم ذلك كله، تم إقصاؤها عن العمل، دون سابق إنذار أو سبب أو تحقيق قانونى، بل مجرد كلمة من مديرها المباشر " أنت مش معانا من بكرة"، بطريقة أشبه إلى قانون الغاب، حيث لا حقوق، لا مزايا، بل فقط البقاء للأقوى، وهم فئة الموظفين، الذين يديرون هذه المجموعات من الشباب، ويحصدون مكاسبهم.
أكتب هذه الكلمات لتكون رسالة إلى وزير القوى العاملة، واتحاد العمال وكل من لهم علاقة بقانون العمل، فالشباب أغلى ما نملك، ولا يمكن أن نتعامل معهم بهذا المنطق المستبد، ونجعلهم يطمحون نحو العمل والنجاح، ثم نقصيهم فجأة ودون حقوق، أو مراعاة لظروفهم الاجتماعية والإنسانية، ومازال للحديث بقية.