تحدثت فى مقال الأمس عن قطاع العاملين فى المبيعات بالمؤسسات المختلفة، وقد كانت شركات التأمين على الحياة نموذجا، وتناولت بالشرح كيف أن هذه الفئة لا تحصل على أجر يذكر، فقط تعمل بالإنتاج، أو "حسب الظروف"، فإذا تمكن من بيع وثائق تأمينية تبتسم له الدنيا ويمكنه الحصول على عائد، أما إذا عجز عن ذلك فلن يحصل على شيء، وهو منطق مستبد، وأقرب لفكرة حرمان المريض من الدواء لعدم امتلاكه الثمن، وهنا تتحكم المنفعة والمصلحة فقط دون رحمة أو اعتبارات إنسانية وأخلاقية، وهذه أكبر مشكلة يعانى منها مجتمعنا فى الوقت الراهن.
الحقيقة ليست شركات التأمين وحدها التى ترتكب جريمة العمل بدون أجر مع شباب الخريجين، بل هناك قطاعات عديدة، أذكر منها فى مقال اليوم المستشفيات والجمعيات الخيرية، التى تعمل لخدمة المجتمع، وتسعى لجمع التبرعات، لعمل الخير، ومعاونة الأسر المحتاجة والفقيرة، وتقدم الدعم والسند للمناطق المحرومة فى القرى والمدن المختلفة.
وعلى الرغم من أن الجمعيات الخيرية وكذلك المستشفيات التى نشاهد إعلاناتها فى التليفزيون ووسائل الإعلام ليل نهار، وتخصص جزءًا كبيراً من ميزانياتها لهذا الهدف، إلا أنها تضن وتبخل حينما يتعلق الأمر بمجموعة من الشباب لا يتجاوز عددهم 20 شابا أو فتاة، فلا تعيينات أو تأمينات أو مستقبل، بل الأمر كله يتعلق فقط بـ"التارجيت" والإنتاج والوصول إلى أكبر عدد من العملاء حتى يتبرعوا.
بعض الموظفين في الكول سنتر الخاص بالمستشفيات والجمعيات الخيرية يجرى مئات الاتصالات الهاتفية يوميا على أشخاص مهمين وغير مهمين، حتى يحصل على النسبة أو العمولة أو إنجاز التارجيت المحدد، ليحصل على راتب نهاية كل شهر، ليكون السؤال: "كيف لشاب فى مقتبل العمر أن يُمارس عليه كل هذا النوع من الضغط، حتى يكسب لقمة عيشه ؟!" كيف يمكن أن نجعله يتسول عبر الهواتف ونتركه حتى دون راتب ثابت أو تعيين وتأمين اجتماعى وصحى يحميه ضد أى مشكلة أو أزمة محتملة.
لا يمكن لهذه الجمعيات أو تلك المستشفيات أن تكون خيرية أو تقدم عملا له علاقة بالخير والإنسانية، دون أن تحترم من يعملون لديها أو تمنحهم الفرصة الحقيقية فى عمل يكفل الكرامة والحد اللائق من الحياة الآدمية، التى تفترض أن كل من يعمل يجب أن يحصل على أجر نظير ما أمضاه من وقت وجهد، لذلك على كل من يعمل فى هذه المؤسسات أن يتحرك بحثا عن عمل آخر أو يتفاوض من أجل الحصول على حقوقه كاملة، وعلى وزارة القوى العاملة أن تقنن أوضاع هؤلاء الشباب، وتشرف على أوراقهم، وأظن أن هذا دور أصيل لها، وعلى الحكومة أن تجد حلولا مقنعة تراقب من خلالها جدية الوظائف التى يقدمها القطاع الخاص، وهل تتوافق مع قواعد القانون وضوابط العمل أم لا.