لا يوجد مبرر مهما كان يدعو لقيام فرد مسلم- مع الأسف- بدور القاضي والجلاد معا، بعيدا عن الدولة وقوانينها ومؤسساتها، مهما كان حجم الاختلاف معها أو الاتفاق معها في طريقة التعاطي مع جريمة الإساءة للأديان.
إن حادث ذبح مدرس التاريخ الفرنسي صمويل باتي"47 عاما"، الذي قتل وقطع رأسه في أحد شوارع العاصمة باريس، على يد شاب لاجئ"18 عاما"، يعتبر إرهابا إرهابا بكل ما تحمله الكلمة، مهما قيل من أن الضحية عرض على تلاميذه رسوما مسيئة للنبي محمد(ص) من مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، وهذه الحادثة بقدر ما تمثل أكبر إساءة للدين الإسلامي، الذي تدعو نصوصه إلى حرمة الدماء الإنسانية، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق، فهي نفس بشرية نهى الله عن قتلها إلا بالحق، وجعل صاحب الحق هو ولي الأمر "السلطة/ الحكومة"، وإلا تحولت المجتمعات الإنسانية إلى فوضى، وهدم لمفهوم الدولة الحديثة وتقويض دعائمها، واستباحة دماء الآخرين، والاجتراء على القتل والمجاهرة به. بذبح الآخرين أحياء في توحش بالغ، والهتاف" الله أكبر" والله من أفعالهم براء.
وقد بين كتاب "ضلالات الإرهابيين وتفنيدها" الذي قام بتأليفه عدد من أساتذة الفقه بجامعة الأزهر، وصدر ضمن سلسلة رؤية عن الهيئة العامة للكتاب بالتعاون مع وزارة الأوقاف، أن الشريعة الإسلامية نهت عن القتل إلا بالحق، الذي يثبت عند ولي الأمر، وليس لآحاد الناس، أما استباحة دماء العباد بهذه الطريقة، إنما هو فتح لباب الهرج، وهو القتل- الذي حذر منه نبي الإسلام محمد (ص)، لما فيه من خطر عظيم على المجتمع وأمن العباد وضياع الدين بضياع شعائره، لأنه لا عبادة لله تعالى بصدق ولا تدين في ظل الرعب والخوف والقهر.
وفي التأكيد على حرمة الدماء– أي دماء- لم يفرق بين مسلم وغير مسلم، يقول الله تعالى في القرآن الكريم " مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ". (المائدة: 32)
إن ما فعله ذلك المراهق المسلم جهل تام بالشريعة الإسلامية ومقاصد الفقه، ويعبر عن أزمة حقيقية ليست كما يدعي البعض في الإسلام ونصوصه ولكن في المسلمين أنفسهم، وطريقة تلقيهم للنصوص وتعاطيهم معها وتأويلها عن جهل وتعصب، إما من شيوخ متطرفين أو من شبكة الانترنت وما بها من أدعياء جهلاء، بالإضافة إلى أزمة تربية حقيقية في بلاد المسلمين تتعلق بالآخر غير المسلم والنظرة إليه واتهامه بالكفر وإطلاق الأحكام على إيمان معتقدات الآخرين.
ولا نعفي الغرب بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية من المسؤولية المشتركة، التي تدل على غياب الحوار بين أتباع الأديان المختلفة كتابية وغير كتابية حول القيم المشتركة.
كل العزاء للأمة الفرنسية وأسرة ضحية الإرهاب، الذي لا يبرره عقل أو دين- أي دين..وفي تلك اللحظات التي لم تجف فيها الدماء ..لا غنى عن الحوار .. والبداية بالتوقف عن اهام دين بعينه بالإرهاب، ومواجهة التطرف يجب أن يقابلها مواجهة حقيقية الخطاب الكراهية والعنصرية.. وان يتحول الحوار إلى حوار حياة وليس مجرد جلسات بروتوكولية ..بل حوار يضم لاهوتيين وأساتذة من تخصصات أخرى وإعلاميين و ممثلين عن طوائف و تيارات مختلفة من أجل امن الإنسانية.