من حق الجامعات الحكومية أن توفر موارد لدعم قدرتها على تحسين جودة التعليم، وتوفير النفقات اللازمة لرفع مستوى الخدمة، إلا أن سعى هذه الجامعات لا بد أن يتوافق مع رسالة العلم التى تختلف قطعا عن فكرة تحقيق "الربح"، ارتباطا بحق المجتمع دور هذه الجامعات فى توفير تعليم مناسب، خاصة لأبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الذين لا يجدون بديلا عن الجامعات الحكومية.
البرامج الدراسية الجديدة، أسلوب بدأت تتبعه أغلب الجامعات المصرية، ليكون فى الظاهر عبارة عن "تطوير"، بينما فى الحقيقة مجرد وسيلة لجمع الأموال، وتحقيق مكاسب مادية و "سبوبة" لخلق عشرات الفرص والوظائف، ومئات المديرين والمسئولين عن تلك البرامج، وباب مفتوح على مصراعيه لتوزيع المكافآت والمنح والعطايا هنا وهناك، وهذا كله يدعو إلى ضرورة وضع حد وتقنين لفكرة البرامج الجديدة.
ما الفائدة أن تقدم كلية نظرية 7 برامج دراسية جديدة فى مجال مثل الإعلام على سبيل المثال، مع العلم أن هذه البرامج يتم تدريسها فعليا منذ سنوات طويلة، تحت مسميات مختلفة وفى علوم ومواد عديدة، إلا أن السعى نحو الربح هو المحرك الأول لاستحداث هذه البرامج وليس مصلحة العلم أو المتعلم.
لن أنخدع بالعبارات التى تتحدث عن أن الهدف من البرامج الدراسية الجديدة تستهدف مواكبة التخصصات الحديثة فى العالم، والتطورات الكبيرة فى نظم التعليم، والفكرة الكاذبة التى تتحدث دوما عن سوق العمل، الذى لا يحتاج سوى خريج على درجة عالية من التدريب والمهارة فى التعامل مع مشكلات وضرورات الواقع.
لا أتصور أن خلق فوارق بين طلاب كلية واحدة بحيث يستطيع الأول دفع مبلغ 10 آلاف جنيه سنويا على سبيل المثال، ولا يستطيع الآخر دفع نفس القيمة، فيرضى بالتخصصات التى سيرى أغلب الطلاب أنها تقليدية، وتفتقر إلى التطوير، الأمر الذى يدعونا إلى سؤال أكبر، لماذا تكون البرامج الجديدة بمصروفات دائما ؟! ولماذا لا يتم تطوير البرامج التقليدية لتصبح جديدة دون دفع أموال طائلة أو مبالغ لا تسمح الظروف للبعض أن يدفعها؟!
التعليم الحكومى يحوز على نحو 94% من إجمالى التعليم العالى فى مصر، وهذا رقم يحتاج إلى فهم ودراسة، حتى نتمكن من خلق تطوير حقيقى فى منظومة التعليم من خلال إضافة أو حذف برامج بعينها، خاصة أن هذه الجامعات تستقبل النسبة الأكبر من أبناء الفقراء والطبقات العاملة، الذين لا يجدون، مكانا لهم فى الجامعات الخاصة، أو ليست لديهم رفاهية دفع الأموال الطائلة التى نسمع عنها فى جامعات خاصة تفتقر إلى أبجديات التعليم الجامعى، وليست أكثر من مبان فخمة، وقاعات محاضرات على أحدث الطرازات، لكن منتجها التعليمى دون المستوى.
يجب أن يتم النظرفى كل البرامج الدراسية الجديدة، التى تم اعتمادها داخل الجامعات المصرية خلال الفترة الماضية، بحيث يكون الهدف الأساسى منها التطوير فعلا لا جمع المال، وأن تكون متاحة لكل الطلاب وليست بمصروفات، فالتعليم الحكومى لا يجب أن يتحول إلى سلعة تباع وتشترى أو تتاح لمن يدفع أكثر.