ظلت الدول الأوروبية تعتقد أن الإرهاب ظاهرة خارجية، وأن القارة محصنة من الإرهاب، حتى ظهر تنظيم «داعش»، ليقدم أدلة على أن أفكار الإرهاب والتطرف لا تقتصر على دول شرق أوسطية، لكنها تنمو تحت جلد أوروبا، وسط انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، حيث يتم تجنيد المراهقين والشباب بسهولة، عن طريق أفلام دعائية تصور الدواعش على أنهم أبطال يقومون بأعمال خارقة، على طريقة هوليوود التى تقدم أبطالا خارقين قادرين على تقديم بطولات متنوعة.
لقد كشف ظهور «داعش»، عن أن التطرف والإرهاب لا يرتبطان فقط بالفقر أو الظروف الاجتماعية، لكنهما ظاهرتان تنموان تحت جلد المجتمعات، بدليل وجود تشابه بين أفكار اليمين المتطرف، والتنظيمات المتطرفة الدينية، بما فيها الإسلاميون، خاصة أن الأجهزة والحكومات الأوروبية دعمت الشباب فى وقت من الأوقات، وكان المجندون يسافرون من أوروبا، عن طريق تركيا، إلى سوريا، حيث معسكرات القتال.
كانت الجمعيات والمنظمات الدينية تنمو، وتتحول إلى مقرات تطرف بتمويلات قطرية وتدخلات تركية، من خلال عملاء فى أوروبا، وعندما انتبهت أوروبا لذلك، كان آلاف الشباب قد انتقلوا للقتال مع «داعش»، بل ومعهم فتيات داعشيات تم تجنيدهن لجهاد النكاح، أو للقتال، بعد غسل عقولهن مثل بقية الشباب الداعشى.
تجرى فى ألمانيا حاليا محاكمة امرأة ألمانية، يشتبه أنها دعمت تنظيم «داعش»، أمام محكمة مدينة كوبلنتس الإقليمية العليا بولاية راينلاند، بفالتس غربى ألمانيا، والمتهمة، 29 عاما، أول عائدة من «داعش»، كانت عضوا فى التنظيم من 2014 حتى 2019، سافرت بصحبة زوجها واثنين من شقيقاته، ولعبت دورا فى ترويج الأفكار الداعشية فى سوريا عبر مواقع التواصل الاجتماعى والماسنجر، وأيدت قتل «الكفار» من وجهة نظر «داعش».
وفى فرنسا تم القبض على بعض المنتميات لـ«داعش»، ومنهن فرنسية من أصل تونسى تم القبض عليها فى تركيا، وكشفت عن أنها تزوجت بعد اعتقال زوجها الأول، وأنجبت، وكشفت عن بعض الشبكات التى انضم إليها أوروبيون من دول مختلفة، بعضهم غير مسجل فى سجلات الأمن، بما يضاعف من خطورتهم حال عودتهم أو تسللهم إلى بلادهم بعيدا عن أعين الأمن.
وفى الوقت ذاته، بدأت الإدارة الكردية فى شمال شرق سوريا، و«قوات سوريا الديمقراطية»، نقل عشرات الدواعش المحتجزين فى مخيمات تضم 68 ألف سيدة وطفلا محتجزين، منهم 30 ألفا يحملون الجنسية العراقية، والبقية من جنسيات مختلفة.
وهذا التحرك يثير مخاوف الدول الأوروبية التى لها مواطنون منتمون لـ«داعش»، حيث ترفض أغلب الدول استقبال المتطرفين من مواطنيها، وتستقبل أطفالهم فقط، وترى ألمانيا أن مخيمات «داعش» تحولت إلى مفارخ خطيرة للتنظيم الإرهابى، وأن نساء التنظيم يجهزن الأطفال ليصبحوا الجيل القادم لـ«داعش»، وهم بمثابة قنابل موقوتة.
وتواجه الحكومات الغربية مطالبات داخلية بضرورة استعادة أبنائها حتى المتطرفين، من باب استحالة الفصل بين الأطفال وآبائهم وأمهاتهم، بينما تصدر تحذيرات من أن استعادة هذه الأسر سيكون بمثابة نقل قنابل وقتلة إلى أوروبا، فى وقت تواجه دول القارة انتشارا لشباب متطرفين تم تجنيدهم، فضلا عن تسرب أعداد من الدواعش بين اللاجئين.
وبالتالى لم تستقبل دول، مثل بريطانيا وفرنسا، سوى عدد قليل من الأيتام يحملون جنسياتها، وتتفاوت أرقام الأوروبيين المنخرطين مع داعش وبقية التنظيمات الإرهابية فى سوريا وليبيا، مع تفاوت المعلومات حولهم، خاصة أن عددا من المراهقين أصبحوا رجالا بين صفوف «داعش» خلال السنوات الأخيرة.
كل هذه التحركات تضاعف من خوف الأوروبيين، تجاه عودة عشرات الدواعش يمكن أن يتحولوا إلى خلايا نائمة، أو ذئاب منفردة، خاصة مع رفض أغلبهم التراجع أو الاعتذار عن أفكار الإرهاب، ما يجعل التطرف والإرهاب نائميْن تحت جلد المجتمع الأوروبى.