«السينما الفقيرة» لم تعد تجذب الشباب
من المحزن أن تعرف أن السينما المصرية كانت فى يوم ما «عالمية» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم يفرق سوى أسبوع واحد بين عرض أول فيلم فى العالم فى باريس «آخر ديسمبر 1895»، وعرضه فى مصر «أول يناير 1896»، لكن المحزن أكثر هو أن نظل نبكى على اللبن المسكوب دون أن نتبنى خارطة إصلاح ثقافى، تسعى إلى إعادة البهاء إلى وجه مصر السينمائى، باعتبارها الذراع الطولى لقوة مصر الناعمة فى المحيط العربى والإقليمى والعالمى، فكيف يمكن أن نخرج من كبوة السينما المصرية دون أن نحمّل الدولة فوق ما تحتمل؟
قبل أن نتطرق إلى مسألة «الحل» لابد أولًا أن نحاول اكتشاف أسس المشكلة، فمشكلة السينما المصرية- من وجهة نظرى- هى أنها سجنت نفسها فى خانة «الإمكانيات المتواضعة»، سواء من الناحية البشرية أو من الناحية التكنولوجية، وهنا أود التركيز على الإمكانيات البشرية فى الأساس، وذلك لأننا لو تتبعنا تاريخ السينما سنجد أنه بدأ فى الأساس بالاعتماد على أشخاص، مثل عزيزة أمير، ومحمد كريم، ويوسف وهبى.. أحبوا هذا الفن، وأخلصوا له.. أنفقوا من أموالهم وأعمارهم، ما جعل للسينما المصرية مكانتها فى العالم أجمع.
بداية الحل إذن تبدأ من «الأشخاص»، من «الإنسان الفرد» الذى يجب أن يصقل مهاراته وينمى معارفه ويفعل مواهبه، فالسينما «صورة»، وللأسف فقد تخلفنا كثيرًا فى تكنيك صناعة «الصورة» بعد أن كنا نسير مع العالم خطوة بخطوة، وذلك لأننا أهملنا تطوير العنصر البشرى، وأهملنا فتح نوافذ التحديث، واستغلال الإمكانيات الحديثة فى الإخراج، وهذا للأسف ينذر بتطور مستقبلى كبير فى السينما المصرية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فالمشاهد الآن يختلف اختلافًا كبيرًا عن المشاهد أمس، فقد أدى انتشار الإنترنت وقنوات الأفلام المتخصصة إلى خلق جيل جديد من الشباب الآن، يتابع السينما العالمية بشغف كبير، وقد اعتادت عيون هذا الشباب على رؤية عناصر الإبهار فى السينما العالمية، وهو ما سيؤدى بدوره إلى عزوف الشباب عن متابعة «السينما الفقيرة» التى ننتجها الآن.
الحل إذن فى أن نصل ما انقطع من تطور السينما المصرية مع العالم، بأن نتبع نفس الخطوات التى اتبعها «الأوائل» فى صناعة السينما المصرية، مثل المخرج محمد كريم الذى سافر إلى أوروبا ليتعلم السينما، وذلك عن طريق إرسال البعثات التعليمية إلى أوروبا أيضًا، لتعلم أحدث ما وصل إليه علم «صناعة السينما» من الخارج، وأعتقد أن هذا الحل لن يكلف الدولة شيئًا إضافيًا، فمصر ترسل كل عام عشرة مبدعين من مختلف التخصصات إلى «الأكاديمية المصرية بروما» لتعلم الفن التشكيلى، والمسرح، والعمارة، لكن هذه التخصصات للأسف لا تشمل «الإخراج السينمائى»، فماذا سنخسر إذا أرسلنا خمسة مخرجين شباب هذا العام إلى أكاديميتنا فى روما للاندماج فى ماكينة العمل الأوروبية بالشكل الذى يجعلهم ملمين بكل تفاصيل الصناعة الحديثة، ثم استثمار هذه الخبرات فى تطوير صناعة السينما فى مصر الآن؟