حالة من الترقب باتت تهيمن على العالم، انتظارا لما سوف تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والمقررة الأسبوع المقبل، والتي تشهد صراعا شرسا بين الرئيس دونالد ترامب، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، في ظل انقسام الداخل الأمريكي، بينما امتدت حالة الاستقطاب إلى الساحة الدولية، مع تنافر التوجهات الخارجية لكل منهما، مما يضفى بعدا يبدو جديدا إلى حد كبير للمعترك الشرس، يتمثل في تأثير الخارج على أصوات الأمريكيين في الداخل، لحسم هوية سيد البيت الأبيض الجديد، خاصة وأن التصويت في الانتخابات الأمريكية دائما ما كان يعتمد على الرؤى التي يقدمها المرشحين حول قضايا الداخل، على غرار الاقتصاد والرعاية الصحية، وغيرها من الأمور التي تهم المواطن الأمريكي.
إلا أن الحديث عن دور خارجى في الانتخابات الأمريكية قد ظهرت بوادره في معترك 2016، والتي حقق فيها ترامب فوزه التاريخى على وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون، عكس التوقعات والنتائج التي آلت لها الاستطلاعات، والتي صبت في صالحها، حيث تحدث الخاسرون عن دور روسى، لتشويه صورة الرئيس، وهى الإدعاءات التي قوضتها التحقيقات فيما بعد، ولكنها تبقى بمثابة نقطة الانطلاق لبعد جديد سيهيمن على الاحداث المشابهة في المستقبل.
ولعل الدور الذى سيلعبه الخارج في الانتخابات الأمريكية، هذه المرة، يمثل تطورا نوعيا، بعيدا عن ادعاءات التدخل الإليكترونى، والتي هيمنت على الساحة السياسية في الولايات المتحدة في ولاية ترامب الأولى، ليصبح دور الخارج أكثر فاعلية، في ظل التطورات التي تشهدها الساحة الدولية، خاصة مع تنامى التهديدات الأمنية جراء ارتفاع مستوى التطرف والإرهاب في الغرب، ليصبح المواطن الأمريكي في حاجة ملحة لتوسيع دائرة تقييمه، لتخرج عن إطار احتياجاته في الداخل، لتمتد إلى رؤية أكثر شمولا، لتقييم المعطيات والتحديات الراهنة، في مناطق تتجاوز الأراضى الأمريكية، قبل الإدلاء بصوته في الانتخابات الأمريكية.
وهنا لا يمكننا النظر إلى الانتخابات الأمريكية بعيدا عن التطورات الأخرى التي تشهدها أوروبا، والتي تبقى جزءً لا يتجزأ من المعسكر الغربى، الذى تقوده واشنطن منذ عقود طويلة من الزمن، وعلى رأسها زيادة معدلات الإرهاب والتطرف، على غرار حالة الاحتقان الذى تشهده العديد من المجتمعات الغربية، وعلى رأسها فرنسا، على خلفية رسوما مسيئة للرسول نشرتها صحيفة مغمورة، أدت إلى جرائم إرهابية ارتكبها متطرفون بحق مواطنين فرنسيين، بينما تبقى المخاوف من امتداد موجة العنف لتشمل عواصم غربية أخرى، وفى القلب منها واشنطن.
التصويت في الانتخابات الأمريكية المقبلة يتجاوز مجرد التصويت لحزب أو شخص يتولى وظيفة "رئيس الدولة"، كما كانت العادة في المناسبات الانتخابية السابقة، وإنما يمتد إلى ما يشبه "تفويض" لزعيم يبقى مخولا لحماية المواطن وأمنه لأربعة سنوات قادمة، إما عبر مهادنة الإرهاب، أو خوض معركة تهدف إلى القضاء عليه قبل أن يتحول إلى أمر واقع.
التجربة الفرنسية تبدو ملهمة إلى حد كبير للأمريكيين، في وقت يبدو بالغ الحساسية، خاصة وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رغم ليبراليته المعهودة، اختار قرار الحرب، منعا لمزايدة تيارات اليمين، والمعروفة بتوجهاتها المحافظة، في التعامل مع الأزمة الراهنة، ليحمل قرار المواطن الأمريكي عند الإدلاء بصوته في طياته أبعادا جديدة، ربما تصب في صالح الرئيس ترامب، والذى بدا حاسما في العديد من القضايا منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية في الولايات المتحدة، وعلى رأسها مسألة استقبال المهاجرين، والذين يعتبرهم تهديدا أمنيا، بالإضافة إلى كونهم معضلة اقتصادية، بالإضافة إلى توجهاته الصريحة في مواجهة الجماعات المتطرفة، وانتقاداته اللاذعة لسياسات سلفه باراك أوباما، في التعامل مع الإرهاب، خاصة في الشرق الأوسط.
المشهد الفرنسي، والذى قد يمتد لعواصم أخرى في القارة العجوز، يمثل جرس إنذار مهم للمواطن الأمريكي، ربما يترك تداعيات كبيرة على المشهد الانتخابى المرتقب في الولايات المتحدة، في ظل مخاوف المواطنين الأمريكيين جراء تنامى التهديدات الإرهابية، بالإضافة لتخوفاتهم القديمة تجاه زيادة تدفق المهاجرين، والأوضاع الاقتصادية في البلاد، والتي شهدت انتعاشا في سنوات ترامب، رغم تراجعها مجددا جراء أزمة كورونا.