الحب هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص أو شيء ما، وقد ينظر للحب على أنه كيمياء متبادلة بين اثنين، وفي داخل جسم الإنسان هرمون يسمى هرمون "الأوكسيتوسين"، والمعروف بهرمون المحبين، ويفرزه الجسم عندما يتم اللقاء بينهم، كما أن الحب هو مجموعة متنوعة من المشاعر الإيجابية والحالات العاطفية والعقلية قوية التأثير، والحب في نهاية المطاف عطاء عميق، وتأثر عاطفي بشخص آخر، والشعور برباط دافئ، وهو مودة عميقة، وظني أنه يصعب وجود تلك المشاعرالعاطفية المتدفقة في زماننا الحالي، جراء البغض والكراهية التي تعيشها شعوب العالم، وخاصة في منطقتنا العربية التي تحظى بكثير من المتناقضات والعادات والتقاليد البالية.
كل تلك المعاني السابقة لمستها من خلال دراسة أعجبتني قام بها الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام ومحكم دولي معتمد، وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان، وقد دهشت لحسه المرهف في التعرض لظواهر الحب في زمننا الحالي، على الرغم من كتاباته الجافة والمتخصصة في الشأن العام وارتباطه بالشق القانوني في المشكلات والجرائم، وأثر ذلك على البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكانت دهشتي من خلال ما ساقه من تسأولات عميقة عن معنى الحب الحقيقي، فقد فاجأني حقيقة في دراسته التي أدلى فيها بآرائه وتدفق مشاعره حول الحب الواضح، والحب اليقيني، ومظلومية العاشقين، والتي خلص فيها إلى مفهوم الحب الحقيقي.
وقال في هذا الصدد: هذا الموضوع الذي أصبح محيرا للكثيرين، وللشباب والبنات خاصة في سن المراهقة، إلا أنه كما أوضحه في كتاب يحمل له عن (الحب الحقيقي)، وفي هذا الكتاب بين (عامر) أن الحب الحقيقي أرق وأجمل وأطهر من قصة أو أغنية ماجنة أو كلمة منمقة من ذئب بشري، فالحب مشاعر إنسانية حساسة يطرب لها القلب، فلا يكون حبا حتى يكون حقيقيا، ولا يكون حبا حتى يكون مصدره الروح ومكانه القلب، ومع هذا فإن للحب الحقيقي بعض العلامات التي تدل عليه.
تعالوا بنا نحلق معه عاليا في سماء العاطفة وهو يقدم ترجمة حقيقية لمعنى الحب الحقيقي، ذلك القائم على الراحة النفسية بين الطرفين، وتقبل كل ما يبدر من الطرف الآخر فالحب الحقيقي تسامح وغفران ومساندة من دون أي مقابل، والحب عطاء بلا مقابل له غير الحب والتضحية والإيثار، لذا إذا صادفت شخصا تجد ارتياحا نفسيا معه وتشعر أنك على طبيعتك معه، ولا تجد أي مسوغٍ لإخفاء أخطائك عنه، فاعلم أنه من الممكن أن تجد الحب الحقيقي معه، وأظن أنه يندر وجود شخص يتصف بكل تلك الصفات التي تجعل الحب صادقا وحقيقيا بين طرفين في وقتنا الراهن، في ظل ما يشهده العالم من أكبر فعل درامي رجيم على مر التاريخ الإنساني.
ومصدر اعتقادي في ندرة وجود الحب الحقيقي في الوقت الحالي هو صعوبة أن تجد من تثق فيه وبرأيه وقراراته، وتجعله سندا لك، ولا تستطيع الاستغناء عنه أو عن استشارته في أمورك، فإذا وجدت شخصا تثق فيه وبشخصيته وقراراته وآرائه فاعلم أنه قد يكون حبك الحقيقي الذي تبحث عنه، فأنت حيئذا تجد شخصا يريد أن يستمع إليك من دون كلل أو ملل من مشاكلك، ويستطيع مساندتك ومساعدتك على تخطّي مشاكلك، ومن ثم يصبح ناصحا أمينا لك في كل ما هو إيجابي ومؤثر بالإيجاب على سلوكك وشخصيتك ومظهرك وأعلم أيضا أن هذا الشخص جدير بحبك واحترامك وأنه يكن لك مشاعر صادقة.
وفي هذه الحالة بحسب - الدكتور عامر - فإنك ستكون شخصا محظوظا للغاية لأن الحب الحقيقي بين طرفين قائم على التفاني والتضحية وإيجاد سبل النجاح سوياً، وتخطي العقبات والأزمات من أجل مواصلة الحياة معا، فإذا وجدت الشخص الجدير بالثقة والاحترام الذي لديه الرغبة والإصرار في تحدي الصعاب لاستكمال حياته معك، فاعلم أن هذا الشخص هو حبك الحقيقي لأنه حتما يستطيع أن يدفعك دائماً نحو الأمام، وأن يكون حريصاً عليك وعلى سمعتك ومصلحتك، فالحب تفان وإخلاص وإيثار، فغاية ما يمكن أن يصل إليه الحب الحقيقي أن تتمنّى محبوبك في كلّ أوقاتك وحالاتك التي تمر بها، ففي لحظاتك الحزينة تتمنى لو أنك تضع كل أحزانك في أحضانه من دون أن تتحدث أو أن تشرح حالتك، وهذا بنظرة واحدة فحسب، إذ تتساقط همومك وأحزانك وأوجاعك وكل الآلام التي أحسست بها سابقا قبل أن تراه.
ولعل أجمل ما كتبه (د.عامر) في الحب الحقيقي هو أن تزرع في طريق من تحبهم وردة حمراء، وأن تزرع في خيالهم حكاية جميلة، وأن تزرع في قلوبهم نبضات صادقة، فأنت دوما ترمي لهم بطوق النجاة في لحظة الغرق، وتبني لهم جسر الأمان في لحظات الخوف، وتمنحهم ثوبك في لحظات العري كي تسترهم، وأنت تساعدهم على الوقوف عند التعثّر، وتساعدهم على الفرح عند الحزن، وتساعدهم على التحلي بالأمل عند اليأس، وأن تحتفظ لهم في داخلك بمساحة جميلة من الأحلام، ومساحة شاسعة من الرحمة والمودة، وأن تملك قدرة فائقة على الغفران لهم مهما أساؤوا إليك، ثم لا تنتظر المقابل إلا من الله سبحانه تعالى.
وعلى قدر كل تلك المعاني التي أفرد لها الدكتور (عادل عامر) صفحات كتابه، إلا أنه صدمني بتلك النهاية المأساوية والحزينة، حين تحول الحب إلى جريمة في وقتنا الراهن، فعلى حد قوله: للأسف تحول الحب في زماننا إلى جريمة يجب أن يحاكم عليها أحد القلبين، وليتها في محكمة واحدة وأمام قاض واحد!، إنها محاكم متعددة وقضاة كثيرون يتناولون المحب (مرتكب الجريمة) على أنه خارج دائرة البراءة سواء ثبتت إدانته أو لم تثبت، فإما أن يكون ماثلا أمام محكمة المجتمع التي تضرب عليه بسياط من نار!، وإما أن يمثل أمام محكمة من يحب فيدرس قضيته باعتباره واحدا في زمان المتغيرات والمتناقضات والمصالح الزائفة.
ومن هنا لا يكون ذاك المحب المسكين، إلا متهماً من هنا وهناك، لدرجة أن تمنى لو ماتت مشاعره بداخله دون أن يبوح بها سرا أو علانية، طبعا أتحدث عن (الحب الشريف العفيف) الذي نمت بذرته وكبرت وتعاظمت في الروح الأصيلة التي لا تنظر إلى المحبوب بعين الشهوة والغريزة والمصلحة، بل تنظر إلى روحه التي تعلقت في كل جزء من أجزاء جسمه، فأصبحت تسري معه كما يسري الدم في عروقه.
وحين يعلن الرجل أو المرأة عن تلك المشاعر بنية سليمة، يتفاجأ أحدهما بحجارة التهم تتراشقه من كل جانب!، مع أن الحب في كثير من حالاته وغرائبه لا يأتي متوافقاً بين الطرفين بكل شيء، فإما أن يكون الاختلاف في الجنسية أو الديانة أو الثقافة أو فارق السن أو النسب واللون!، وكلها أمور لم تأت للمحب على بال، لأن روحه عشقت روحاً لا تدري إلى ماذا يصنف الجسد الذي يحملها، ولم يجلس على مكتبه يوما ما لكي يأخذ قراراً بأنه سوف يحب هذا الإنسان تحديدا!، فالقلب هو من يقرر دون الرجوع إلى العقل الراجح الحاذق الذي دوماً ما يضع العقبات والأحجار المختلفة من دين ونسب ومال وجمال وغيرها.
عندئذ تكون الكارثة! .. يقول الدكتور عامر، لأنه يصبح حبا من طرف واحد حكمت عليه محكمة الخيانة والمؤامرة والغدر بأنه محروم وليس مرحوما، ومتهم مثبت الإدانة بأنه لم يحب إلا لغاية في نفس يعقوب قضاها! وبين ردهات تلك المحاكم، ضاعت القلوب الصادقة، وحكموا عليها بالإعدام بلا رحمة ولا شفقة، وياليتهم عادوا إلى السجل العربي الحافل بمعاناة المحبين من أجل الوصال والتلاقي!، أحسن الله عزاء القلوب الوفية الراقية، ومن كان منها فيه شيء من الأمل فليوقد ناراً، ويحرق فيها حبه لأي أحد، فلم يعد في هذا الزمان مكاناً للصدق والوفاء!
ومن باب العجب الذي ساقه الباحث القانوني في حذق بالغ الدقة، قوله أنه مازال الحب في وطننا - يا عزيزتي - جريمة لا تغتفر، فعل آثم في شارع تلك العادات والتقاليد المميتة، انتقلنا من الخيام للقصور والأبراج ولكن يبدوا أننا قد نسينا عقولنا في تلك الخيام، فأصبح الحب عاراً لابد أن نغسله من ثوبنا بالقتل، حتى أصبح الحب في وطننا هو أقدم مسجون في سجن العادات، هو أقدم مظلوم في عرف التقاليد، هو أقدم مقهور داخل أوطاننا، ولست أدري لماذا يخشون الحب؟!، لماذا يخافون العشق؟!، هل فعلاً يرتعشون خوفاً منه أم من المواجهة بين هذا الحب الصادق وبين تصرفاتهم البغيضة الكاذبة؟، الحب لم يكن أبداً دعوة للانفلات أو انقلابا على العادات والتقاليد، بل هو ثورة تصحيح لتلك العادات التي تؤمنوا بها وكأنها منزلة من السماء!.
هو صرخة مقهور في وجهكم حينما تحاولون - بكل قوة - أن تفقدوا هذا الحب أسمي معانيه، هو فارس عربي يمتطي جواده الأبيض و يزين صدره أخلاق الفرسان العرب يواجه سهامكم - الغادرة - بقلب لا يخاف الموت، وكيف الموت وهو محاط بدعوات وصلوات قلوب الحالمين بغد أفضل مع من يحبون؟، وكيف الموت وتلك القلوب البريئة الطاهرة لا أمل لديها سوي في هذا الفارس وفي تلك المعركة فقامت تصلي وتقرأ وترتل من أجل النصر ولا شيء سوي النصر!، ورغم كل تلك الهزائم وكل تلك الانكسارات بفعل غدركم ما زل هذا الأمل بفجر جديد يداعب تلك الجفون الساهرة علي أمل أن يكون اليوم هو آخر أيام هذا الفراق ولكنه مازال أملاً!.
نعم مازال الحب مخبأً داخل قلوبنا لا ندري هل نخشي عليه من النور كنوع من الغيرة أم نخشي عليه من النور لبطش العالم المتوقع به وبنا؟!، ويبقى الأسوأ أنه مازال الاعتراف بالحب في مجتمعنا - المتحضر - كالاعتراف بالرغبة في الانتحار أو الإلحاد، فكأنما فقدت عقلك واعترفت بضعفك وولائك لفتاة سلبتك قلبك ويالها من تهمة في مجتمعنا ويالها من سبة في تاريخ أي رجل أن يعترف بحبه لفتاة وكأننا في عصور ما قبل التاريخ فيا لغبائنا ويا لقهر قلوبنا ويا لظلمنا لمشاعرنا حتي وإن كانت بريئة ، وتلك للأسف مفاهيم مغلوطة ترسخ لها بعض أعمالنا الدرامية التي تركز على نوعية من مسلسلات البيئة الريفية والصعيدية والشامية والصحراوية في غالبية أعمالنا التي ماتزال تحظى بشعبية وجماهيرية طاغية بعد أن أصبحت الدراما التليفزيونية تلعب دورا محوريا في حياتنا.
فبعد أن كان الحب تاجا على رأس شعراء الجاهلية وما بعدها في عصور الإسلام، فإن الاعتراف بالحب في هذا المجتمع - الشرقي - جريمة عار يجتمع لأجلها كبار القبيلة ويتناقشون في اجتماع عاجل لمحو هذا العار ويقررون وأد هذا الحب بكل الطرق متجاهلين مشاعر طرفين لا ذنب لهم سوي الحب في مجتمع شرقي، والأمر في مجتمعنا لا يختلف ما بين حب وزواج ففي كلتا الحالتين الحب مرفوض وممنوع يا ولدي!، فالتعبير عن المشاعر حتى بعد الزواج في مجتمعنا أمر مرفوض قطعاً، فمازلنا نراها نقطة ضعف لا يجب أن تظهر للآخرين؟!، بالله عليكم بأي عقل تفكرون؟ هل الحب نقطة ضعف؟.. يا لسخرية القدر، و نحن نعيش في ظل ثورة التكنولوجيا!.