منذ أيام وخلال المنتدى المصري العراقي الذي نظمه اتحاد الغرف المصرية تجددت الآمال والمطالب بضرورة التكامل الاقتصادي العربي وتحقيق – على الأقل- وحدة اقتصادية عربية تعمل على استفادة شعوب المنطقة من مقدراتها وتنميتها.
ورغم كل الصراعات التى تشهدها المنطقة العربية حاليا، حيث تشتعل بها الحروب والمعارك من شرقها إلى غربها، إلا أن تحقيق خطوات فعلية على أرض الواقع لإحياء ملف السوق العربية المشتركة أو الوحدة الاقتصادية لا يمكن أن يتم إلى بعد عدة خطوات عملية، وإلا كان الكلام عن السوق مجرد شو إعلامي للاستهلاك المحلى فقط ومجاملة فى المؤتمرات أمام الوفود العربية.
وليس هذا مجرد رأى شخصى فقط، بل أكد عليه أيضا تقرير حديث للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، الذى أكد أن الحديث عن السوق العربية المشتركة يعد عمليا لا معنى له، إلا بعد أن تتحقق الخطوات السابقة له، وهى تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ثم إنشاء الاتحاد الجمركى العربى أولا.
ولو رد أحد على ذلك بأنه يمكن عمل اتفاقيات ثنائية بين الدول لتقوم بعمل السوق المشتركة، نقول إن الاتفاقات الثنائية لا يمكن أيضا أن تحل محل السوق العربية المشتركة لأن التفضيلات الممنوحة فى إطار منطقة التجارة الحرة العربية أكثر من تلك الممنوحة فى الاتفاقات الثنائية وفعليا يتم أغلب التبادل التجارى من خلالها.
تقرير المركز المصرى قال إن تطبيق منطقة التجارة الحرة العربية تعثر بالرغم من أنه كان متفق على إزالة التعريفات الجمركية فيما بين الدول أطراف هذه المنطقة مع حلول عام 2005، وذلك بسبب الخلاف حول قواعد المنشأ وعدم وجود نصوص قانونية للقيود غير الجمركية، فضلا عن وجوب إلزام الدول العربية بالتطبيق.
كما أن جزءا من المشكلة يكمن في أن نص القرار المدشن لمنطقة التجارة الحرة العربية لا يعكس جميع ملفات التفاوض بمنظمة التجارة العالمية، فعلى سبيل المثال غياب نصوص واضحة حول ملفى الصحة والصحة النباتية والقيود الفنية على التجارة فيما عدا الإشارة إلى القيود غير التعريفية، جعلا منطقة التجارة الحرة العربية خاويةً من أهم الأدوات التي تضع التحرير الجمركى موضع التنفيذ الفعلى.
وهذا بعكس الاتفاقات على الصعيد الأورومتوسطي مثل إعلان برشلونة والاتفاقات المبرمة بموجبه مثل الاتفاقات الثنائية للشراكة بين الاتحاد الأوروبى وأغلب دول جنوب المتوسط، وأيضا اتفاقات التجارة الحرة فيما بين كل من هذه الدول ومجموعة دول الإفتا (رابطة التجارة الحرة الأوروبية)، وفيما بينها وبين تركيا.
ونفس الشىء ينطبق على المسار الأفريقى، حيث إن التطور الأخير الذى شهدته منطقة شرق وجنوب أفريقيا والمتمثل فى توقيع اتفاق الترايبارتايت (اتفاق التجارة الحرة الثلاثى) فى شرم الشيخ سنة 2015، فيما بين الكوميسا (السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقى) والسادك (مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية) وتجمع شرق أفريقيا، وسعى الاتحاد الأفريقى لتدشين مفاوضات حول منطقة التجارة الحرة القارية على مستوى أفريقيا ككل، قد جعل من المسار الأفريقى نموذجا يحتذى بالنسبة للدول العربية.
ومعروف أن التكامل الاقتصادى بين الدول يتحقق من خلال المرور بخمس مراحل متتابعة، حيث يتم فى كل مرحلة التغلب على عائق من عوائق التكامل وهى:
أولا، تكوين منطقة تجارة حرة تلغى فيها الرسوم الجمركية والقيود الاستيرادية، ثانيا، إنشاء اتحاد جمركى عبارة عن منطقة حرة + تعريفة جمركية موحدة للدول الأعضاء إزاء الدول الأخرى، ثالثا، إنشاء سوق مشتركة عبارة عن اتحاد جمركي + حرية تحرك عناصر الإنتاج بين دول السوق دون عوائق ضريبية أو كمية، رابعا، إنشاء اتحاد اقتصادى عبارة عن سوق مشتركة + توحيد للتشريعات والنظم والسياسات الاقتصادية الوطنية والخطط وتنسيق القطاعات الإنتاجية وتوحيد أسعار ورسوم المرافق وربط هياكل التنمية الأساسية بها، وإقامة هيئة قضائية عليا مشتركة، خامسا، إنشاء اتحاد نقدى عبارة عن اتحاد اقتصادى + توحيد للعملة والبنك المركزى والاحتياطي النقدى والسياسة المالية.
وبعد كل ذلك هل يمكن أن نجد فعلا في المستقبل القريب سوقا عربية مشتركة أو أي نوع من الوحدة الاقتصادية ؟