لا تتصور أن ما يحدث مع تنظيم الإخوان في النمسا عبارة عن حالة إعلامية هلامية أو سطحية ظاهرية، بل أن ما يحدث يضرب في عمق التنظيم من الداخل ويعرى فكرها المنحرف، ولا تتصور أيضا أن ما يحدث نتيجة قرار تم اتخاذه بين عشية وضحاها لكنه مخطط من جانب الإدارة النمساوية قبل أشهر أو أعوام إذ شئت الدقة
وحتى تفهم الموضوع برمته والحكاية بتفاصيلها وكواليسها وكوابيسها، النمسا حاصرت الإخوان بمجموعة كبيرة من الخطوات والإجراءات، ويبدو أن تلك الإجراءات ستمتد وتتمدد وتزحف خارج النمسا، وكانت أولى خطوات النمسا ضد تنظيم الإخوان على الأرض الأوروبية في فبراير 2019، عندما أصدرت الداخلية النمساوية قانونا يحظر رموز جماعة الإخوان الإرهابية وعددا من التنظيمات الإرهابية الأخرى، وقد دخل حيز التنفيذ بعدها بشهر واحد، وتشمل قائمة الرموز المحظورة نحو 13 شيخا ورمزا مختلفا، جاء شعار جماعة الإخوان الملون بالأخضر وعبارة عن "سيفان يتوسطهما كلمة واعدوا"، كأول رمز في قائمة الحظر للقانون النمساوي.
هل انتهى الأمر عند هذا الحظر؟، كلا، بل أسست النمسا مركزا لتوثيق جرائم الإخوان على غرار مركز توثيق اليمين المتطرف، وخصصت ميزانية أولية بقيمة نصف مليون يورو للمركز الذي يتولى مراقبة الإخوان، بما يشمل المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي.
طبعا فكرة مراقبة الإخوان داخل المساجد وعلى مواقع التواصل الاجتماعى لو قيلت في دولة عربية لخرج علينا المزايدون ليزايدوا ويمارسوا أفعالهم ولكنها عقدة الخواجة ياصديقى، فدعك منهم ونستكمل سويًا ماذا فعلت النمسا في الإخوان، فمن ضمن خطواتها لمحاصرة التنظيم في سبتمبر الماضي، قررت حكومة النمساوية وقف جميع أشكال التمويل الحكومي للإخوان وغيرها من تنظيمات الإسلام السياسي، وتشكيل لجنة خبراء لرصد تحركاتها وهياكلها، وأخيرا داهمت الشرطة النمساوية مقار الإخوان، وهى ضربة أولى من نوعها، فقد نفذت الشرطة النمساوية مداهمات في 4 ولايات اتحادية بينها فيينا، ضد أشخاص وجمعيات إخوانية باحته، وكان هذا الإجراء تتويجا لإجراءات النمسا لمحاصرة الإخوان.
ما فعلته النمسا من وجهة نظري هو مفيد لكل دولة أرادت محاصرة الفكر الإخوانى وسعت للتغلب عليه، لكننا نستطيع أن نفيد النمسا ونستفيد، "ويابخت من نفع واستنفع"، وذلك عن طريق إرسال وفود رسمية من المؤسسات الدينية تعلم المسلمين في النمسا الأوروبية أن الإخوان ليسوا الإسلام، وأن ديننا الحنيف ينبذ الحزبية الدينية وما شبها.
خطوات الاستفادة واستثمار ما يحدث في النمسا إزاء الإخوان كثيرة، منها على الأقل أن يعلم القاصى والدانئ أن إجراءات مصر لمواجهة التنظيم كانت من أجل مواجهة الإرهاب والتطرف، وليست لمحاربة الإسلام والمسلمين كما حاولت اللجان الإلكترونية زرع ذلك في عقولنا.