لم يخطر ببال أى أحد وهو يستمع لخطاب الرئيس السيسى، أثناء افتتاح مشروعات بصعيد مصر، أن يوجه رسالة تاريخية وللمرة الأولى وبهذا الشكل للمجتمع الإسرائيلى قبل الإدارة الإسرائيلية.
السيسى بما له من مصداقية باتت واضحة للعالم كله، تحدث بجرأة غير عادية فى رسالة مفتوحة، وجهها للجانبين، لكن عليك أن تلاحظ الآتى:
أولا: الرئيس تحدث بعد مشاورات مع الرئيس أبومازن، شعر فيها بأن الرجل يعانى من انقسامات الداخل، وبالتالى بدأ برسالة باتت ملحة للفصائل الفلسطينية، أن تفرقكم سيزيد القضية ضعفا، وأنه أصبح لزاما أن تتحدوا على كلمة واحدة من أجل أن يحترم العالم قضيتكم.
ثانيا: السيسى الذى نجح فى أن يقنع الإسرائيليين بوضع قواته بعتاد ثقيل فى مناطق لم تشملها اتفاقية السلام، واستطاع أن يصل لهدفه دون أى شىء يقدمه استغل هذا الاطمئنان كى يرسل رسالة يفهمها تماما المجتمع الدولى.
ثالثا: اختار الرئيس أن تكون رسالته للأحزاب الإسرائيلية وللرأى العام الإسرائيلى ثم للإدارة الإسرائيلية.
رابعا: لغة ومفردات الرسالة أن السلام الذى لم يمكن أحد يتخيله بعد حروب متعددة، أصبح واقعا بعد كامب ديفيد هى تذكرة حقيقية لمن يريد السلام فعلا وما أكثر هؤلاء حتى داخل إسرائيل.
خامسا: عندما تتحدث دولة بحجم مصر عن علاقات جديدة عربية إسرائيلية، حال حصولنا عَلى الحقوق الفلسطينية، فهذه فرصة لا يمكن أن يفوتوها الإسرائيليون.
وعليك أن ترصد ردود الأفعال الدولية لهذه الرسالة، وأيضا رد الفعل الإسرائيلى، اهتمام عالمى فاق توقعنا وقت إن قالها الرئيس.
وحقيقة الأمر أن الرئيس لم يطرح مبادرة حتى لا يمحو خطوات مبادرات أخرى، وإنما شدد على أن هناك المبادرة العربية والمساعى الفرنسية، وأكد أن مصر مستعدة لأن تدعم بأى شكل من الأشكال هذه المجهودات، فى إشارة هى الأولى من القيادة المصرية الجديدة.
أتوقع أن تكون هناك وفود إسرائيلية فى القاهرة قريبا لاستثمار هذا الزخم، وأتوقع أن تكون هذه الكلمة بداية لعودة الحديث عن القضية الفلسطينية، التى كانت دائما الشغل الشاغل لمصر فى كل خطاباتها الدولية.
لكن عليك أن تعرف ماذا كسبت أنت كمجتمع مصرى من توقيت الرسالة وطريقتها، يفهم العالم أنك دولة إن تحدثت نفذت، وإن مفاتيح كثيرة من القضية يمكنك أن تتحكم بها، وأنك الآن أصبحت جاهزا كإدارة مصرية للمشاركة بفاعلية فى الجهود الدولية فى هذا الشأن، وأنه يمكن أن تساعد الفلسطينين سريعا فى أمور تراكمت عليهم، نتيجة عدم التواصل مع الجانب الآخر عن طريق دولة هى فى قلب القضية، وتتبنى مصالحها فتوسط فرنسا لن يكون مثل مصر، لأن التنسيق الفلسطينى المصرى يختلف تماماً عن التنسيق المصرى الفرنسى.
نحتاج أن يفهم الإخوة فى فلسطين أهمية هذه الرسالة، كما فهمها غيرهم، لقد أصبح عليهم واجب تجاه أمتهم، أن يترفعوا عن خلافاتهم ويفهموا أنه بدون ذلك لا يمكن أن نتقدم جميعا فى قضيتهم.
بكل المعانى رسالة قوية ومؤثرة وفى العمق الإسرائيلى، ويحترمها المجتمع الدولى، وعودة حقيقية وقوية للدور المصرى فى تبنى قضايا أمته العربية.
سيادة الرئيس أحسنت توقيتا وقوة ومضمونًا.