ليس عيبًا أن يقول أحدهم «لا أعرف»، عندما يكون الأمر متعلقًا بحادث على بعد مئات الكيلومترات من مكان وجوده، ولن يلوم أحد الشخص لو أعطى نفسه فرصة ليعرف ما يجرى قبل أن يدلى برأى أو يقدم تحليلًا لحادث لم يشاهده ولا يعرفه، ناهيك عن كون تحطم طائرة حدثًا كارثيًا يتعلق بعشرات الأسر التى تعانى من فقد ذويهم، ويتعلق بمشاعر إنسانية، وبالتالى رد الفعل الأوّلى يكون إنسانيًا متعاطفًا بشكل عام، حتى لو كان الضحايا مجهولين، وبعد التعاطف يبدأ طرح الأسئلة وانتظار الإجابات.
فى حادث طائرة مصر للطيران القادمة من باريس، والتى سقطت عند سواحل اليونان، هناك أطراف ثلاثة على الأقل فى الحادث، هى فرنسا، حيث يقع مطار شارل ديجول مقر الإقلاع، ومطار القاهرة، حيث كان يفترض أن تهبط، واليونان مكان السقوط، فضلًا على شركة مصر للطيران المالكة، وإيرباص المصنعة.
فى هذا الحادث ومع كل حادث مشابه هناك تفاصيل وسيناريوهات لدى كل طرف من هذه الأطراف، وكل احتمال له عناصره التى يمكن أن تتحكم فيه، فالعمل الإرهابى غير العطل أو الحريق، وفى حال ما إذا كان العمل إرهابيًا، لا أحد يعرف ما إذا كان الهدف هو باريس أم القاهرة أم الاثنين.
كل هذه تفاصيل وخيوط وأطراف عليها أن تجيب عن الأسئلة فيما يتعلق بالحادث، وهى عملية معقدة، وتحتاج الكثير من التحقيقات وتفريغ كاميرات والاستماع لشهود، وهى عمليات متشابكة، لكن ابتلينا بخبراء يستبقون كل تحقيق، ويحللون وهم فى أماكنهم، أو يدلون بآراء أو يمارسون الإفرازات العقلية من دون حساب لمشاعر أو انتظار لمعلومات.. خبراء «عموم الخبرات» جاهزون ليدلوا بآرائهم، أو يحددوا مواقف ويمارسوا الادعاء بالعلم أو الإفراط فى ممارسة عادة السخرية والفكاهة، وتحليلات منقولة من حسابات مستخدمين، نقلوها عن حسابات عن غيرها، من دون مصدر، ليس هذا فى الطيران وحده، لكن فى كل شىء.
وينسى أصحاب العقول الطائرة أن السخرية أو الشماتة يمكن أن «ترشق» فى قلب أم أو أب أو شقيق يشعر بالقلق أو الحزن، والواقع أن هذا النوع من المدعين متوفر لدينا، ولا نعرف إن كان أمثال هؤلاء موجودين فى الدول التى تتعرض لأزمات أو حالات من هذا النوع لا يقفون عند افتراضات خبراء أو أنصاف خبراء، ورأينا الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند فى أول تعليق له على حادث الطائرة: «علينا التأكد من معرفة كل ملابسات ما حدث»، ونرى مواقف موحدة تجاه الإرهاب أو الكوارث، واحترام للمعلومة وانتظار البيانات، الأمر مشترك بين حكومة ومعارضة وتنوعات مجتمع، لكن ما يحدث عندنا من بعض الأطراف يتجاوز التحليل إلى السخرية والفكاهات السمجة التى لا تراعى مشاعر، ولا تحترم معلومات.