لا أحد يقول لى إن الحوادث المتتالية التى تستهدف صناعة الطيران المصرية، وما يرتبط بها من مجالات اقتصادية مهمة، فى السياحة والاستثمار واستقرار العملة الوطنية، هى مجرد حوادث قدرية، نتيجة لتقصير بشرى، أيا كان نوع هذا التقصير، أمنيا أو تقنيا أو تنظيميا على مستوى تقديم الخدمة.
ولا يتعامى أحد عن طبيعة الحرب الشاملة الحديثة التى نواجهها من خلال حصار اقتصادى من دول المشروع الصهيو أمريكى، وهجمات استخباراتية على أعلى مستوى، تتركز فى قطاع الطيران المدنى لتحقيق عدة أهداف بضربة واحدة، منها مثلا فرض حالة من الشلل على الاقتصاد المصرى، ومنع تدفق السائحين وتخويف المستثمرين، وتعطيل المسيرة الطموحة للتنمية والنهضة، وتصوير البلد بشكل عام، على أنه بلد مخاطر مرتفعة، ودفعه دفعا إلى حافة الإفلاس، أو مساومته على تنفيذ الأجندة الدولية الخاصة بالمنطقة.
فى مقال سابق بتاريخ 15 فبراير الماضى، وتحت عنوان «المؤامرة الجديدة.. ضرب العلاقات مع فرنسا»، أوضحت أن الحلقة الجديدة لضرب مصر، هى وقف التعاون المثمر، بينها وبين فرنسا فى جميع المجالات بحادث كبير، وها هو الحادث يقع، ويكون هدفه الطائرة المدنية المصرية التى أقلعت من مطار شارل ديجول الفرنسى، وقبل أيام قليلة من تسليم باريس حاملة المروحيات «جمال عبدالناصر» إلى القاهرة، وإلى نص المقال..
«هل تذكرون كيف نجا بلدنا من المحاولات الاستعمارية الجديدة لكسره وحصاره، بل وغزوه أيضًا، بعد ثورة 30 يونيو؟ هل تذكرون كيف نفذت الإدارة الحالية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى أكبر عملية مناورات سياسية واقتصادية لحماية مصر وأمنها من مؤامرات الاستعمار الجديد؟.
قراءة الأحداث القريبة الماضية ضرورة ملحة الآن، لإدراك ما يجرى فى الحاضر، وما قد يحدث فى المستقبل القريب، حتى نكون على بينة من أننا على الطريق الصحيح للمقاومة والنهضة، وحتى لا نسقط فى فخاخ شائعات الطابور الخامس القابع فى الداخل والمتمركز على النوافذ المباحة فى مواقع التواصل الاجتماعى.
خاضت البلاد حروبًا اقتصادية وسياسية وعسكرية أيضًا ضد الإرهابيين ومن يوالونهم خلال السنوات الثلاث الماضية بشراسة، ونجت من فخاخ كثيرة لجرها إلى مستنقعات حربية وأزمات اقتصادية لا تقوم منها، وكان أول انتصار سياسى واقتصادى تحقق فى السنوات الثلاث الماضية هو العودة إلى العرب، لتشكيل جبهة قوية ضد المخاطر الشاملة التى تجتاح المنطقة وعدم التفرقة بين الخطر الذى يراد بمصر، وما يراد بالخليج من أخطار.
وتلا هذا الانتصار، انتصار تالٍ بالانفتاح على روسيا سياسيا واقتصاديا، وإعادة التعاون والتنسيق بين البلدين إلى سنوات الازدهار فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وهو تعاون كانت تحتاجه موسكو بشدة حتى تعود من جديد إلى المنطقة الدافئة للبحر المتوسط، وحتى تجد نافذة يمكن أن تتصل من خلالها بالأسواق الأفريقية الواسعة.
ولم يتوقف الحراك المصرى الذكى عند روسيا، بل تم كسر الاصطفاف الأوروبى بتكثيف التعاون مع إيطاليا وفرنسا من ناحية، ومع قبرص واليونان من ناحية، بعد الاكتشافات الكبيرة لحقول الغاز فى المياه الإقليمية المصرية، وأصبح التعاون الاقتصادى مع إيطاليا والأمنى والعسكرى مع فرنسا شوكة فى حلق الاستعمار الجديد الذى بات واضحا عجزه عن كسر جناح مصر، ووقف تقدمها أو فرض حلول سياسية عليها.
لكن ذلك لم يعن أن أجندة الاستعمار خالية من العمليات القذرة لضرب الاقتصاد المصرى، وإغلاق النوافذ المفتوحة على دول العالم الكبرى، فكانت عملية الطائرة الروسية التى تسببت فى إجهاض الموسم السياحى المصرى، ثم كانت عملية مقتل الشاب الإيطالى الغامضة وظهور جثته فى توقيت وصول وزير التعاون الإيطالى على رأس وفد لتوقيع اتفاقيات اقتصادية مهمة، الأمر الذى عكر صفو العلاقات بين البلدين، نتيجة لموجات وحملات الإعلام الغربى المشبوهة التى كانت جاهزة لصناعة كذبة كبرى حول الحكومة المصرية وتشويهها بالخارج.
أثق أن القاهرة وموسكو ستتجاوزان حادث سقوط الطائرة فى سيناء قريباً، وستعود حركة الطيران والسياحة بين البلدين، كما أثق أن مصر وإيطاليا ستتوصلان إلى قاتل الشاب الإيطالى، وإلى صناع المؤامرة الوهمية، لضرب علاقات البلدين قريبا أيضا، لكن أثق أيضا أن الاستعمار الجديد وأجهزته التدميرية تستهدف مصر، ولن تتوقف عن محاولات الإضرار بها، وأكاد أرى ملامح المؤامرة الجديدة لضرب علاقات القاهرة وباريس، خاصة قبل أن تتسلم مصر حاملتى المروحيات ميسترال، وهى الصفقة التى تمثل إضافة قوية لقواتنا البحرية، ورمزاً لكسر احتكار واشنطن لتسليح قواتنا وعلامة على استقلال القرار المصرى.
لذلك، لا تتفاجأوا أو تندهشوا إذا وقعت حادثة أو عملية الهدف منها إفساد العلاقات مع فرنسا التى تربطنا بها مصالح على أعلى مستوى، وساعتها سيعرف الذين يبسطون الأمور ويرفضون فكرة المؤامرة وخطط الاستعمار الجديد لتركيع مصر أن عليهم مراجعة أنفسهم والاصطفاف الوطنى فى معركة للاستقلال والنهضة والمقاومة».
اللهم انصر بلدنا على من يريد له الشر والضعف والهوان.. آمين.