"لنجعل أمريكا عظيمة مجددا".. شعار انتخابى رفعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليقتحم البيت الأبيض، قبل 4 سنوات، ليضفى نجاحه، وعلى حساب سياسية بحجم هيلارى كلينتون، بما تحمله من خبرات عميقة، انطباعا بإيمان القطاع الأكبر من الأمريكيين أن مكانة بلادهم تراجعت، وبالتالي تبقى في حاجة لمن يستعيدها، وهو ما بدا في كافة السياسات التي اتخذتها واشنطن خلال حقبة الرئيس المنتهية ولايته، والتي اعتبرها قطاع كبير من المتابعين للشأن الأمريكي "انقلابا" صريحا على ثوابت السياسة التي اعتمدتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لسنوات طويلة من الزمن.
إلا أن شعار "أمريكا العظيمة" لا يبدو فقط مجرد بوابة دخول البيت الأبيض، للرئيس ترامب، وإنما ربما أصبح كذلك مبررا للخروج، في ظل إصرار سيد البيت الأبيض، على عدم الاعتراف بالهزيمة أمام منافسه جو بايدن، وهو ما يبدو في تغريدات ترامب الأخيرة، والصور التي نشرها، والتي حملت عنوانا صريحا "أمريكا أولا"، في إطار ما يمكننا تسميته بمحاولة "الخروج المشرف" من القصر.
ترامب يرفض الاعتراف بالهزيمة، ولكنه سيخرج، لا محالة من البيت الأبيض، في الـ12 ظهر يوم 20 يناير، وبالتالي أراد أن يرسم لنفسه صورة "الفارس" الذى تنازل عن حقه في ولاية ثانية، من أجل محبوبته (أمريكا العظيمة)، وهو ما يعكس رغبته في مواصلة سياسته القائمة على "كسر التابوهات" والتي انتهجها منذ اللحظة الأولى لبزوغ نجمه في السياسة الأمريكية، سواء فيما يتعلق بخطابه، أو سياساته الداخلية أو الخارجية، وحتى تعامله الذى يبدو مختلفا مع أزمة كورونا، في ظل رفضه المطلق للإغلاق، رغم زيادة أعداد الإصابات بصورة كبيرة.
ولعل صورة "الفارس" التي يتطلع إليها ترامب، تحمل في طياتها العديد من الفرضيات، المتعلقة بخططه للمستقبل، خاصة وأن كتلة كبيرة من الأمريكيين صاروا معتنقين لأفكاره، في العديد من القضايا الجدلية، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي، أو الهجرة، أو حتى الوباء، بينما تضع تحديات أخرى على كاهل الإدارة الجديدة، التي ينبغي أن تتبنى نهجا يتجاوز العديد من الأبعاد السياسية والحزبية، مما يثير تساؤلا حول ما إذا كانت حقبة ترامب في السياسة الأمريكية انتهت أم أنها مازالت تحمل حلقات جديدة.
إصرار ترامب على عدم الاعتراف بالهزيمة، وتشكيكه المتواصل في نزاهة الانتخابات الأمريكية، يقوض مصداقية العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة، بينما تضع المزيد من الضغوط على كاهل إدارة بايدن، في ظل مقارنات ستبقى في أذهان القطاع الأكبر من الأمريكيين، حول التعامل مع القضايا الملحة التي تؤرقهم، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية والبطالة، والوضع الصحى في مرحلة ما بعد ترامب، ليجد الرئيس المنتهية ولايته سبيلا، بعد الخروج، ليقوم بدور المعارضة "الخشنة"، غير التقليدية، عبر منصات التواصل الاجتماعى، والتي يجيد استخدامها فى التواصل المباشر مع المواطن.
ترامب ربما يغير مفهوم المعارضة في السياسة الأمريكية، بعيدا عن شكلها التقليدي الذى طالما روجت له واشنطن باعتباره نهجا "أنيقا"، كما فعل من موقعه على "عرش" الرئاسة في الولايات المتحدة، حيث ستخرج معارضته عن إطارها الحزبى، باعتباره منتميا للحزب الجمهورى، وإنما ستحمل أبعادا أخرى، في ضوء معطيات أبرزها حالة عدم الوفاق بينه وبين تيار الصقور داخل حزبه، وهو التيار الأقوى، والذى ساهم في انقلاب قطاع كبير منهم عليه منذ ما قبل الانتخابات، وعلى رأسهم مستشاره السابق للأمن القومى جون بولتون.