منذ انتشار وباء "السوشيال ميديا" كالنار في الهشيم في المنطقة العربية مع اشتعال شرارة ما عرف بـ"الربيع العربي" في بداية العام 2011، عملت إسرائيل في اغتنام هذه الفرصة لتحقيق هدف فشلت فيه لسنوات طويلة عقب توقيعها اتفاقية "كامب ديفيد" مع مصر عام 1979، وهو "التطبيع الشعبي" مع المصريين وتغيير صورتها النمطية كدولة احتلال إلى دولة صداقة وسلام.
الجميع داخل مصر وخارجها يعلم تمام اليقين أن السلام مع الكيان الإسرائيلي هو "سلام حكومات" فقط ولم يصل أبدًا في أي مرحلة من مراحله لسلام شعبي - كما حدث مع بعض الدول العربية التي أقامت معها تل أبيب مؤخرا اتفاقيات سلام - بل إن فطاحل الفكر والسياسة داخل تل أبيب اعترفوا بذلك مراراً وتكراراً في وسائل إعلامهم بأن السلام مع مصر "سلام بارد" وأن الشعب المصري يكن لإسرائيل عداء شديد، وظلت إسرائيل خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تحاول أكثر من مرة في استمالة مفكرين وكتاب وأدباء ومثقفين وفنانين مصريين للتطبيع معها، ولكن كانت معظم محاولاتها تبوء بالفشل، بل إن أي شخص كان يستجيب لهذه المحاولات والإغراءات الصهيونية ويطبع معهم كان ينبذه الرأي العام ويوصم بـ"المطبع" ويعيش طيلة حياته منبوذاً مكروهاً كأنه جاسوس وخائن لبلده وبنو وطنه.
هذا الفشل الذريع الذي تكبدته إسرائيل لسنوات طويلة حولته لبارقة أمل عقب ظهور "السوشيال ميديا" على الساحة واستخدام ملايين الشباب العربي لها، فطورت الدولة العبرية من أدواتها سريعا لاستقطاب هذا الكم من العقول العربية لترسيخ صورة مغايرة لطبيعتها الدموية الفتاكة، فالأساليب التقليدية التي كانت تستخدمها تل أبيب في محاولتها الدؤوبة لفرض التطبيع من خلال سفارتها في مصر بتقديم دعوات لحضور مناسبات سواء داخل مقر السفارة الذي كان مطلاً على كوبري جامعة القاهرة أو بمقر المركز الأكاديمي الإسرائيلي أو في إسرائيل نفسها لم تعد تجدي نفعاً وبات الوسط الفني والثقافي والصحفي المصري وغيره من أوساط النخبة على دراية كاملة لألاعيب تل أبيب التطبيعية وكان الرفض التام هو الرد الدائم لكل هذه المحاولات الفاشلة، حتى ظهرت السوشيال ميديا لتبدو كطوق نجاة للأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية.
ومع انتشار هذه الوسائل للتواصل الاجتماعي سارعت وزارة الخارجية الإسرائيلية لتدشين صفحة على "الفيس بوك" ثم على "تويتر" تحت اسم " إسرائيل تتكلم بالعربية" كانت مهمتها الرئيسية مخاطبة الشباب العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة من خلال بث المئات من المنشورات باللغة العربية واللهجة العامية المصرية لاستمالة المستخدمين الشباب لهذه الوسائل، وكانت هذه المنشورات أحيانا دينية كتبريكات للمناسبات الدينية الإسلامية من عيد فطر وأضحى وشهر رمضان وآيات قرآنية وأحاديث نبوية أو منشورات خفيفة تحمل طابع اجتماعي وفني وغيرها ..
الصفحة التي تعرف نفسها على الفيس بوك أنها أنشئت من جانب وزارة الخارجية الإسرائيلية كمصدر للمعلومات عن إسرائيل باللغة العربية ومن أجل إطلاع الجمهور على نشاطاتها أول بأول، في الواقع لم يكن هدفها ذلك، فالمتابع للصفحة منذ تدشينها سيجد أنها موجهة بطريقة لافتة للنظر نحو تلميع صورة إسرائيل وبث منشورات موجهة في هذا الاتجاه.
هذه الصفحة التي بدأت بعشرات المتابعين فقط أصبح الآن يتابعها حوالي 2.4 مليون مستخدم، ولم تكتفي إسرائيل بها فحسب بل أنها دشنت عشرات الصفحات الأخرى التي تخدم نفس الهدف وتبث عشرات المنشورات على مدار اليوم مدسوس بداخلها سماً قاتلاً يهري العقول.