و استكمالاً للحديث عن مصادر تشكيل الوعي التي كما نعلم تنقسم إلي مصادر مباشرة و أخري غير مباشرة ،
سنتناول اليوم أحد أهم موارد تشكيل الوعي المباشر و هو (العلم ):
و الذي تعتبر المنظومة التعليمية القائمة هي مصدرة الأساسي ،
و التي كلما ارتقي هذا التعليم و ازدهرت منظومته و آتت أُكلها و حققت أهدافها من خلال إخراج أجيال من المراحل التعليمية المختلفة قد استوعبوا و تعلموا ما يقدم لهم من مناهج موضوعة بعناية تضاهي أحدث طرق التعليم التي يعمل بها العالم ، لا إخراج أجيال من حاملي شهادات تعليمية غير ذات قيمة عندما يخرج هذا الطالب ليس أسعد حالاً مما دخل ، و في هذه الحالة لا تكون هناك أية قيمة لتلك الشهادة التي لا تتعدي كونها مجرد حبر علي ورق .
*و إن تحدثت عن " التعليم " و ما أصابه من تدهور بالعقود الثلاثة الماضية ،
تلك التي ساهمت بشكل سريع في هذه الحالة المتدنية التي يتسم بها جيل اليوم
فعندما تخلت المدارس عن التربية التي كانت حتي زمنٍ قريب تسبق التعليم كانت المصيبة الكبري
فلم يعد هناك تربية نفسية بالمدارس مثلما كنا بالماضي، إذ كانت بكل مدرسة الأخصائية الإجتماعية بشكل أساسي و التي يلجأ إليها أي طالب يتعرض لمشكلة ما أو يلاحظ مدرسه أنه بحاجة لزيارتها للتحدث معه و التعرف علي ما بنفسه من مشكلات قد تكون السبب في أي سلوك غير مألوف يصدر عنه .
كذلك التربية الرياضية التي كانت شئ أساسي بجميع المدارس و الجامعات ، فقد كانت هناك فرقاً رياضية في كل أنواع الرياضة و علي أعلي مستوي من التدريب و التأهيل لخوض المسابقات بين المدارس و التي كانت عاملاً أساسياً في تربية الأجيال بدنياً،
إذ كنا آنذاك نري اللافتات المكتوبة التي يعرفها كل منا جيداً و يحفظها عن ظهر قلب مثل ( العقل السليم في الجسم السليم ) .
و لكننا بسنوات الفساد التي كانت و في ظل التطورات الحديثة بجميع مدارس الدولة العامة و الخاصة لم يعد هناك حصص مخصصة للرياضة و لا فرق رياضية و لا مسابقات و لا غيره .
و إن تطرقنا للتربية الأهم و الأغني نفسياً و خلقياً و هي (التربية الفنية) التي لم يعد لها ذكر من بابه ، فأين المسرحيات المدرسية التي كانت تقدمها فرق التمثيل بالمدارس و تنظم الوزارة لها مسابقات سنوية و أين مسابقات إلقاء الشعر و فرق الرقص و الموسيقي و الكورال و أين حصص التدبير المنزلي و الأشغال اليدوية التي كانت حصصاً أساسية بالجدول الدراسي اليومي ؟
فقد كنت من آخر أجيال سعداء الحظ الذين حظوا بالتربية المدرسية و الجامعية بجانب التربية الأسرية ، لكن بكل أسف لم يعرف عنها أولادي أي شئ !
*إذن فجزء كبير من الجرم الذي أصاب المجتمع في عصبه من الأجيال الجديدة بالعقود الماضية يقع علي عاتق التربية التي فارقت منظومة التعليم قبل أن يفارق التعليم نفسه منظومته البالية.
و لكن :
في ظل إرادة الدولة و قيادتها التي انتفضت لإصلاح ما أفسدته السنوات بكل المناحي و المجالات بطريقة متوازية ،
قد تم وضع خطة لتطوير منظومة التعليم ووضعها علي خريطة المنافسة لنظم التعليم العالمية المتطورة وفقاً لمقاييس مدروسة لإعادة إدراجها بالتصنيف العالمي بعد أن خرجت منه بفعل سنوات الإنحدار و الفساد الذي نال من كل شئ.
و بعد عام حافل بالأحداث المتلاحقة التي أصابت معظم المسؤولين بكل أنحاء الدنيا بالشلل، و أفسدت الكثير من الخطط و الإستراتيجيات الموضوعة ،إذ بنا نطمئن أننا بأيدٍ أمينة محل ثقة و تقدير ،
فقد قبلت الدولة ووزارة التعليم التحدي ، و أصروا ألا يستسلموا لإحباطات لا أول لها من آخر من قائمة طويلة تضم هؤلاء المنتفعين الذين لا يسعدهم و لا يتناسب و أهوائهم أن يتم تطوير منظومة التعليم المهلهلة التي أطاحت بمستقبل أجيال بعينها من الجهال الحاملين لشهادات جامعية بمختلف التخصصات ،
و قررت التصدى بكل الطرق و الوسائل لعصابات التعليم المعروفة لدينا جميعاً ، و شنت حرباً ضارية علي مراكز الدروس الخصوصية و سماسرة التعليم بلغة العصر ، و حاصرتهم حصاراً شديداً حتي غلت أياديهم و انتزعت صلاحياتهم الغير محدودة عن طريق توفير المنصات الرقمية للطلاب ،
و ما زالت عملية الإصلاح مستمرة و ما زال أعداء النجاح يتساقطون واحداً تلو الآخر ، و ما زلنا بانتظار عودة المنظومة التعليمية لسابق عهدها و بكامل إمكاناتها التي كانت تهتم بالتربية إلي جانب التعليم بل ربما تسبقه .
فكلما ارتقي مستوي التعليم بأمة ارتقت مستويات وعي مواطنيها درجات
و إلي لقاء جديد مع حروب الوعي و تأثيراتها بالمجتمع