المتأمل لمناورة (سيف العرب) المرحلة الرئيسية للتدريب، بين مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية ومملكة البحرين وجمهورية السودان بقاعدة محمد نجيب العسكرية، والتى شهــدها الفريــق مـحـمد فــريد رئيس أركــان حــرب القــوات المسـلحــة، وعدد من رؤساء أركان القوات المسلحة للدول العربية المشاركة بالتدريب المشترك، سوف يستلهم من بين السطور أنه آن الأوان لتشكيل قوة عربية مشتركة تكون مهمتها الدفاع عن مقدرات الأمة العربية فى لحظاتها الحالية، حيث تحيط بها أخطار كبيرة من عدة اتجاهات ودول تتربص.
إشارات ودلالات كثيرة تلح على فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة نتيجة المستوى الذى وصل إليه التنسيق والتعاون بين القوات العربية المشاركة، سعادة وترحيب بمشاركة العديد من الدول العربية الشقيقة داخل قاعدة محمد نجيب العسكرية بمصر، بما يعزز علاقات التعاون العسكرى ويؤكد القدرة على مواجهة كافة العدائيات والتحديات التى تواجه أمتنا العربية، وأشار إلى أن تدريب "سيف العرب" يستهدف توحيد المفاهيم بين القوات العربية فى مجابهة العدائيات المختلفة وأن الهدف الأساسى للتدريب هو الجاهزية والاستعداد الدائم للحفاظ على الاستقرار فى المنطقة العربية.
ولقد أدركت الدول العربية المشاركة فى تدريبات "سيف العرب" أن الرئيس السيسى كان له رؤية ثاقبة فى عام 2015 و2017 بشأن تكوين جيش عربى مشترك فى إطار "اتفاقية الدفاع العربى المشترك"، وإصراره على وجود هذه القوة لحماية وحفظ الأمن القومى العربى والإقليمى والعالمى من التمدد التركى والإيرانى وحتى الغربى، وإظهار الدول العرببة كقوة واحدة فى ظل التحديات الجارية، وفى ظل وجود إدارة أمريكية جديدة، وبعد أن طلبت كل من أمريكا وأوروبا وروسيا إجراء مناورات عسكرية مع مصر فى العامين السابقين سواء كانت برية أو بحرية أو جوية أو فى مجال مكافحة الإرهاب للاستفادة من كفاءة وخبرة المقاتل المصري.
ولقد لفت نظرى أن القوات العربية المشاركة فى مناورة "سيف العرب" هى من طلبت وبإلحاح شديد من مصر إجراء هذه التدريبات مع القوات المسلحة المصرية، والتى هى بشهادة أكبر المراكز العسكرية تعتبر القوة التاسعة على مستوى العالم، بل الأهم أن الدول الخمسة لم تكن الوحيدة فى طلبها بل تقدمت أكثر من دولة عربية فى هذا الإطار، فهل هذا يعنى أن تلك الدول اقتنعت برؤية الرئيس السيسى وبعد نظره فى حماية الأمن القومى العربى، ومن ثم تكون هذه المناورات هى البداية الحقيقية لتفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك.
نتمنى تحقيق هذا الحلم العربى بالطبع، ويجب ألا ننسى أن الرئيس السيسى افتتح "قاعدة محمد نجيب" وهى أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط ،وأفريقيا وإصرار الرئيس على إقامتها فى نفس توقيت طلبه بتفعيل قوة الدفاع العربى الموحد والمشترك، ومن محاسن الصدف المقصودة أن مناورات "سيف العرب" تم تفعيلها على نفس القاعدة التى أراد الرجل أن يقيمها منذ عامين، وربما استشعر السيسى أن هناك حربا محتملة أو قادمة وقريبة جدا بين بعض دول الخليج وإيران، فهل آن أوان الاستماع مرة واحدة وجهة نظر القيادة السياسية المصرية، وكلنا نعلم أن الرئيس لا يبحث عن زعامة بل زعامته موجودة ونابعة من رؤيته الثاقبة وبعد نظره.
كتبت فى هذا المكان فى 25 يناير 2019 أنه آن الأوان أن نقرر مصيرنا العربى المشترك فى إنشاء قوة عسكرية عربية، بيدنا لا بيد غيرنا، بحيث يمكنها حل المنازعات بين دولنا دون تدخل قوى غربية عادة ما تأتى على جناح أطماعها التوسعية لنهب ثرواتنا، والعبث بمقدرتنا، بينما نحن واقفون فى خانة المتفرج على شياطين الإنس والجن وهو يؤدون أدوارا تمثيلية غاية فى الإسفاف كلاعبى السيرك المحترفين، ولا يبقى علينا سوى التصفيق الحاد من باب الإعجاب بما فعلوه بنا فى ظهيرة يوم مفعم بالأسى والحسرة على ماض عريق كان هنا على ذات التراب المقدس.
وطرحت وقتها سؤالا جوهريا: هل العرب قادرون فعلا على حماية أنفسهم من دون الحاجة إلى تدخلات خارجية؟، وكانت الإجابة: نعم بالطبع كما جاءت على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، قائلا: "نحن قادرون معا إذا توحدنا أن نحمى بلادنا العربية"، وشرح مرارا وتكرارا هذا الأمر بقوله: "لو أنه تم جمع الأسلحة العربية البرية والبحرية والجوية معا، فسوف تكون لدينا قدرات كبيرة ومع التنسيق والإدارة الجيدة يمكننا أن نحمى بلادنا من أية شرور، وسيكون وزننا أكبر بكثير، سواء توحدنا تحت اسم "الناتو العربى" أو "القوة العربية المشتركة"، وأظن أن أى مواطن عربى عاقل يفكر منذ عشرات السنين فى هذه المعادلة البسيطة، إذا كان حاصل جمع جميع أنواعه الأسلحة العربية من دبابات وصواريخ وطائرات وسفن، إضافة إلى الجنود والضباط أكبر بكثير مما يملكه أى عدو لهم، فلماذا هذه الفرقة والتناحر والانقسام؟!
وذكرت فى نفس السياق من المقال أن الزعيم السيسى لم يكتف بهذا التوضيح المهم فى حال العرب وأحوالهم، بل شخص الداء وجلب الدواء معا، قائلا قبل سنوات من الآن: "للموضوعية لا يمكن أن نلوم الأعداء، لأنهم يعملون على استمرار انقسامنا، سواء كانت انقسامات داخل كل دولة أو بين الدول العربية بعضها البعض، توحدنا يضر الأعداء، وبالتالى فالمنطقى أن يستمروا فى محاولاتهم، وأن يفشلوا أى محاولة للتوحد، وبالتالى فالسؤال المنطقى هو أين هو دورنا كعرب، وهل نحن نحاول إنهاء هذا الانقسام، أم أن بعضنا ينفذ بوعى أو من دون وعى أهداف الأعداء؟".
هذا هو جوهر كلام الرئيس فى هذا الصدد، فإذا توفرت الإرادة السياسية، ولو صدقت النوايا فى فهم ضرورة العمل العربى المشترك فى هذه اللحظة الفاصلة فى تاريخ أمتنا، وهو ما طالب به قبل أربعة أعوام فى كلمته أمام القمة العربية الـ 26، فى شرم الشيخ السبت 28 مارس 2015، قائلا: "إن تفاقم الأوضاع الراهنة يحتاج إلى الثقة فى النفس فى كيفية الاستعداد لتلك المستجدات وتأسيس قوة عربية موحدة، مع احترام سيادة الدول فى الوقت ذاته"، وأوضح السيسى - وقتها أيضا - أن "الأمة العربية تواجه تحديات جسام لا تخفى على أحد، بما يستوجب منا جميعا دعم جامعتنا العربية وتحركاتها لتصبح القاطرة التى توحد كلمة الدول والشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وتجعل لها من أسباب القوة ما يعضد من مكانـة أمتنا العربية على الساحة الدولية".
وربما شكلت دعوة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى أثناء القمة العربية 2015 فى شرم الشيخ إلى ضرورة تشكيل قوة عسكرية عربية لِمواجهة الإرهاب، نقطة تحول رئيسية فى مسار الصراع القائم فى معظم أرجاء المنطقة العربية، لا سيما أنها وقتها جذبت أنظار المحلّلين والمتابعين لقضايا المنطقة العربية، فيما كانت لافتة تعليقات الصحافة الغربية، حيث أشارت وكالة "الأسوشيتد برس" الأمريكية فى أول تعليق على الدعوة إلى إنها "تعد أول تأكيد علنى من قبل زعيم عربى على احتمال تشكيل مثل هذه القوة".
واستدلت الوكالة الإعلامية فى حينه على ما كانت ذكرته سابقا بشأن قيام مصر والسعودية والإمارات والكويت بمناقشة إنشاء اتفاق عسكرى بين الدول العربية لمكافحة الميليشيات الإسلامية المتطرفة، مع احتمال تدخل هذه القوة المشتركة فى أنحاء الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى دعا المحلل العسكرى لشبكة "سي.ان.ان" الأمريكية، جيمس "سبايدر" ماركس، وهو لواء متقاعد فى الجيش الأمريكى، إلى وصف دعوة الرئيس المصرى بأنها "مسألة وقت" أن يدعو قائد عربى مثل السيسى لمثل هذا الاقتراح، وأضاف بقوله: "استراتيجيا وسياسيا، فإن هذه الدعوة تمثل إنجازا كبيراً للمنطقة، وهى بلا أدنى شك أول خطوة فى الاتجاه الصحيح".
ومن هنا يبدو لى الآن أن خطوة تشكيل قوة عربية مشتركة أصبحت على وشك التحقيق، كما بدا لى من انسجام وتوافق فى تدريبات مناروة "سيف العرب" والتى جاءت فى هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الأمة العربية، خاصة أن التحالفات العسكرية أو الحربية ضد عدو أو أعداء آخرين، أمر اعتادته الدول والقبائل والعشائر منذ بدء التاريخ، ولعل الوقت كان مناسبا للغاية فى القمة العربية الـ 26 عام 2015، حيث تم وقتها إقرار تشكيل قوة عربية مشتركة قوامها 40 ألف جندى، لمواجهة أى عدوان على أى دولة أو دول عربية، وهو أمر قد يكون مطلوباً بعد التشرذم والخلافات العربية - العربية، بل وشبه نجاح المخطط الأمريكى فى فرض مشروعها "الشرق الأوسط الجديد"، الذى يتمثل فى تفتيت الدول العربية إلى دويلات عرقية وطائفية واثنية، بهدف إضعافها ونهب ثرواتها، ومن أجل تفوق إسرائيل فى المنطقة.
وظنى أنه إذا دخل هذا المشروع حيز التنفيذ سيكون له متطلبات كثيرة، منها تجاوز الدول العربية لخلافاتها التى قد تصل إلى حد العداء والتناحر، كما يجب أن يكون هذا التحالف للمصلحة المشتركة، والدفاع عن الشعوب ومقدراتها، والابتعاد عن الأجندات الإقليمية والغربية، ومن ضمن متطلبات نجاح واستمرار التحالفات العسكرية، هو اعتماد دول التحالف على شعوبها وتقوية جبهاتها الداخلية، من خلال إطلاق الحريات وإقامة أنظمة ديمقراطية عادلة، وتنمية وصناعة ونتاج اقتصادى عربى تكاملى، مثل السوق العربية المشتركة، والاكتفاء الذاتى وتحقيق رخاء الشعوب، ومكافحة التخلف والفساد والإرهاب، والسماح بشرعية الأحزاب السياسية على أسس وطنية قوية تسمح بالتعددية.
ويبقى السلاح الحقيقى الذى ينبغى أن تعتمد عليه الدول فى تحقيق تلك الوحدة لضمان متانة القوة العربية المشتركة، هو نبذ الخلافات والتنسيق العسكرى الكامل من خلال المناورات على غرار "سيف العرب" فى ظل التحديات التى تمر بها الدول العربية، والتى باتت تشكل تهديدا وجوديا مباشرا لكيانات تلك الدول ومقدرات شعوبها، الأمر الذى يتطلب ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطنى للدول العربية القائمة، والعمل على تطوير وتفعيل النظام الإقليمى العربى كإطار منظم لكافة أوجه العلاقات التكاملية وللاتفاقيات العربية على كافة الأصعدة.
وهو ما أكده الرئيس السيسى خلال كلمته أمام مؤتمر "فكر" الرابع عشر، الذى نظمته مؤسسة الفكر العربى 2015، بعنوان "التكامل العربى - تحديات وآفاق"، واستضافته القاهرة، حيث أشار إلى أن تحقيق ما تقدم لا يعتمد فقط على مدى توافر الموارد، سواء كانت طبيعية أو مالية أو بشرية، فجميعها تتوافر لدى الدول العربية، وإنما يرتكز بشكل أساسى على زيادة تعزيز العمل الجماعى وبلورة الرؤى المشتركة، باعتبارهما جوهرا ضروريا وقوة دافعة لا غنى عنها من أجل تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية فى العيش الكريم، والحرية الواعية المسئولة التى تبنى ولا تهدم.. وتعمر ولا تدمر.. والعدالة الاجتماعية التى تكفل تحقيق التوافق المجتمعى والسلم الاجتماعي.
وها هم العرب اليوم يسعون للجوء إلى مصر لتشكيل قوة عربية مشتركة نواتها الأساسية إجراء تدريبات مشتركة من خلال مناورات بدأتها بـ "سيف العرب"، وأظنها ستفضى فى القريب إلى تشكيل تلك القوة.. الحلم الذى ظل يراود خيال الرئيس السيسى فى تحقيق الأمن العربى المشترك الذى لن يتحقق إلا بأيدينا وإرادتنا العربية القوية والحرة فى حماية أوطاننا من أى عداءات يمكن أن تستغل الانقسام والتشرذم العربى والذى فيه مقتلنا جميعا.