الزلازل من الكوارث الطبيعية التى لا يتمناها أحد، سواء على المستوى الفردى أو الدولة، وهناك مناطق معروفة ومشهورة بوقوعها ضمن حزام الزلازل، مثل اليابان وإندونيسيا وبعض المناطق فى الامريكتين، حيث تتولد من هذه المناطق أغلب الهزات الأرضية حول العالم، وتعتبر الأكثر خطورة وتأثيرا على حياة الناس، بينما المنطقة العربية ومصر على وجه التحديد لا تقع فى هذا النطاق، وهذا أمر يدعو إلى التفاؤل ويزيد من الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة.
منذ فترة دأب المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية على مفاجأتنا بأخبار متواترة عن زلازل وهزات أرضية شدتها من بين 3 إلى 4 درجة على مقياس ريختر، كان آخرها زلزالين فى منطقة البحر المتوسط، قرب السواحل المصرية، يوم الثلاثاء الماضى 24 نوفمبر، وقد كانت شدة الهزة الأولى 3.8 درجة على مقياس ريختر، وتبعد حوالى 316 كم شمال مدينة مرسى مطروح، بينما الهزة الثانية كانت بقوة 4.2 درجة، وتبعد حوالى 170 كم شمال مدينة الإسكندرية.
الغريب أن معهد الفلك اختتم بيانه عن الزلزالين بأنه لم يرد إليه أن المواطنين قد شعروا بهما.. وهنا يكمن التساؤل الرئيسى الذى يدور في رأسى، فما دامت هزات ضعيفة ولم تؤثر على شيء ولم يشعر بها المواطنون، ولم ينتج عنها أي خسائر مادية أو بشرية، وليست مؤثرة او مهمة على مستوى الرصد والتحليل لعموم الناس، فلماذا يتم تصدير هذه البيانات والإعلان عنها للرأي العام؟! وكأن مصر تعيش وسط حزام زلزالى عنيف وتشهد هزات بين اليوم والآخر، خاصة أن المعهد ذاته أعلن عن زلزال آخر يوم 22 نوفمبر شهدته مدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية، وكانت شدته 3.5 درجة، وقد ختم المعهد بيانه بنفس العبارة السابقة " لم يشعر به أحد".
الثابت علميا أن هناك عشرات بل مئات الزلازل تحدث يوميا، دون أن يشعر بها أحد، ودون أن تكون مؤثرة أو تحمل خطورة مباشرة على المواطنين أو استقرار الحياة، حتى في المناطق التي تقع بنطاق حزام الزلازل، ولا يتم الإعلان عنها أو التصريح بها، حتى وإن كانت تسجلها محطات الرصد الزلزالي حول العالم، فالإعلان عنها يمثل مصدرا للرعب والقلق في نفوس المواطنين، كما يؤثر على الصورة الذهنية لهذه البلد أو تلك حول العالم.
وسائل الإعلام المحلية والعالمية تهتم كثيرا بأخبار الحوادث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات والعواصف الكبرى، وتضع أخبارها في صدر صفحاتها الأولى وتخصص لها أماكن بارزة على المواقع الإلكترونية وشاشات التليفزيون، كما أن المواطن الذى لا يعرف مصر أو لم يسبق له زيارة القاهرة أو شرم الشيخ أو الإسكندرية، ويجد أخبارها على محركات البحث مرتبطة بالزلازل والهزات الأرضية، بالطبع سيقلق ويُكون صورة ذهنية سلبية عن هذه المنطقة، كما أن المستثمر الذى يرغب فى الحضور إلى مصر، عندما يرى أخبارا متواترة عن هزات أرضية كل يومين أو ثلاثة بالطبع سيقلق من فكرة الاستثمار فى هذا البلد، بغض النظر عن فكرة أن هذه الهزات قوية أو ضعيفة.
كل ما أتمناه أن يتم ترشيد البيانات التى يقدمها معهد الفلك عن الزلازل فى مصر، والتركيز على دوره البحثى والعلمى، خاصة أنه لا يوجد آلية حول العالم تمنع حدوث الزلازل أو حتى أجهزة قادرة على التنبؤ قبل حدوثها بوقت كاف، بل كل المعاهد والمؤسسات الأكاديمية المعنية بهذا الأمر حول العالم يتوقف دورها عند الرصد والمتابعة فقط، لذلك علينا أن نتروى ونهدأ قبل إصدار بيانات من شأنها إثارة البلبلة وتكوين صورة سلبية عن مصر، باعتبارها بيئة للزلازل، في حين أن الواقع عكس ذلك.