خطابات الرئيس التركي تأتي بما ينطق به بن جاسم عبر حسابه على تويتر.. الحديث عن الوحدة العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية ومحاولة المساس بإيمانويل ماكرون مضامين مُشتركة بين الطرفين.
جاءت كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الأيام الماضية لتلفت النظر إلى مدى التوافق بين تُوجهاته وقطر وليس بالشكل الذي لاحظناه دائمًا دائمًا وإنما تحديدًا بينه ورئيس الوزراء الأسبق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.
ربما اختفى "بن جاسم" رسميًأ من منصبه الحكومي، ولكنه سياساته وصديق رحلته الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني لازالت قائمة حتى يومنا هذا، إلى درجة وصف الأمير تميم الحاكم الحالي للدوحة في الأوساط الخليجية بـ"خيال المآتة". وكثير ما لفت الخبراء السياسيون والمتابعون للشأن الخليجي إلى أن تميم مجرد واجهة وأن سياسات تنظيم الحمدين هي القائمة والمُستمرة. ولا يخفى على أحد العلاقات الوطيدة بين قطر وتركيا، وازدياد متانتها منذ مقاطعة الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) في يونيو من العام 2017. ولعل آخر ملامح قوة هذه العلاقات الثنائية زيارة تميم إلى أنقرة الخميس الماضي، وتوقيع 10 اتفاقيات بمجالات مختلفة بين الجانبين، حسبما أفادت وسائل الإعلام التركية والقطرية على حد سواء. إلى جانب ترحيب تميم وأردوغان ببعضهما عبر حسابتهما الرسمية عبر تويتر والتأكيد على الشراكة بمختلف المجالات والتوافق في عدد من القضايا الإقليمية والعالمية. هذا وكان الترحيب بتميم من خلال مراسم استقباله أشبه بالاستقبال الأسطوري؛ فقد كان مُميزًا عن استقباله في زيارات سابقة إلى حد كبير.
ولكن بالربط بين موعد الزيارة الذي وافق يوم 26 نوفمبر، وتصريحات الرئيس التركي التي جاءت بين يومي 29 و28 من الشهر ذاته، وتغريدات سابقة لحمد بن جاسم عبر حسابه على تويتر ما بين أغسطس الماضي ونوفمبر الجاري؛ سرعان ما يُنتبَه إلى أنهما أتيا على "خط واحد" فقد تناولات المضامين والملفات ذاتها، وكأن حساب "بن جبر" مُذكرة يستمد منها أردوغان معلوماته، أو ربما يذهب بها تميم كمرسال للرئيس التركي، مع تمويله لإنقاذ بلاده من الإنهيار الاقتصادي الذي تُعانيه، في مقابل أن ينطق أردوغان بما يُريد تنظيم الحمدين.
حمد بن جاسم تحدث عن ملف التطبيع مع إسرائيل مُنتقدُا دولة الإمارات في إبراهما لإتفاقية السلام مع تل أبييب، قائلًا في تغريدة بتاريخ 15 أغسطس: "إن الشعب العربي والخليجي أذكى من أن نسوق له مبررات واهية مثل القول بوقف قرار ضم الأراضي والصلاة في الأقصى في ظل الوهن العربي الراهن، وبالتالي فلا داعي لتلك المبررات. وأنا أؤكد أنني مع السلام ومع علاقات متكافئة مع إسرائيل، والشعب الفلسطيني لم يعطنا تفويضًا بأن نقرر عنه مستقبله"، مُشيرًا بعد ذلك بأيام إلى ما يراه تردي الحال العربي، وعدم التوافق وهو ما يتحدث عنه بين حين وآخر، مع التقليل من شأن الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي. وقد تحدث مُجددًا في نوفمبر الجاري عن رغبة في دراسة الوضع في المنطقة مُستغلًا العملية الانتخابية الأمريكية وفوز المُرشح الديمقراطي جو بايدن أمام الرئيس دونالد ترامب، وقال: "هل سنرى في الأيام القادمة محاولة لإعادة دراسة الوضع في منطقتنا انطلاقًا من مصالحنا الوطنية والقومية، وتقويم الأمور ليس في مجلس التعاون فحسب، بل وفي الجامعة العربية أيضًا.. أتمنى ذلك ولكنه يحتاج إلى قيادة إقليمية عربية تأخذ زمام الأمور بيدها". وها هو أردوغان الآن يتحدث عن القضية الفلسطينية في رسالته التي بعثها السبت الماضي، في افتتاح المبنى الجديد لرابطة "برلمانيون لأجل القدس" بإسطنبول، قائلًا: "نسعى في كافة المحافل للدفاع عن قضية القدس ونعمل بكل ما أوتينا من قوة لإنهاء سياسات الاحتلال والظلم والإبادة الجماعية ضد أخوتنا الفلسطينيين.. سنواصل كفاحنا من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وموحدة عاصمتها القدس الشرقية في حدود 1967 بناء على قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية". وهو الحديث ذاته الذي ذكره خلال اتصال مرئي في المؤتمر السنوي الـ23 للجمعية الإسلامية الأمريكية حيث قوله بأن "الأتراك يجب عليهم الدفاع عن حقوق القدس ولو بأرواحهم وأن هذا هو شرق الأمة الإسلامية"، وذلك على الرغم من أن واقع العلاقات بين قطر وتركيا وإسرائيل في حالة جيدة وأن التعاون المشترك بينهم مُستمر ولكنه في الخفاء. هذا وعلى خط "بن جبر" حاول أردوغان أن يسعى إلى ترسيخ مفهوم التضامن والوحدة مشيرًا إلى أن الشعوب الإسلامية عليها أن تتوحد، قائلًا ضمن حديثه "المسلمون مع الأسف الشديد ليس لديهم وقت للدفاع عن حقوقهم لإنشغالهم بصراعاتهم مع بعضهم البعض"، مضيفًا "أننا مسلمون قبل أن نكون أتراكًا أو عربًا أو عجمًا أو أفارقة أو ماليزيين أو هنودًا أو أمريكيين". ويبدو أن الرئيس التركي وبن جاسم تناسيا أن سياساتهما سببًا رئيسيًا في نبذ بلادهما، حيث تمويل حكوماتهما ودعمهما للإرهاب على مدار سنوات طويلة واحتواء العناصر الإرهابية والمتطرفين والتدخل في شؤون الدول المحيطة بما يهدد أمن واستقرار المنطقة.
انتقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضًا مشتركًا بينهما، فقد تحدث بن جاسم عنه في 30 أكتوبر الماضي، مُنتقدًا سياساته في التعامل مع أزمة "الرسوم المسيئة"، لنرى اليوم أردوغان يُلمح بشكل غير مباشر إلى القضية ذاتها، قائلًا: "الدول التي تدعم أعمالًا مثل حرق القرآن أو الإساءة للرسول محمد وتتغاضى عن الهجمات على المساجد لا تقوم بذلك دفاعًا عن الحريات كما تزعم، بل لإخفاء الفاشية الموجودة بداخلها"، مضيفًا: "لا يتحملون أدنى نقد بعد الهجوم على قيمنا المقدسة، بل يبررون ذلك بحرية الفكر والإعلام، ويوجهون تهديدات في بعض الأحيان، ويوبخون الصحفيين، أو يداهمون الصحف بدعم من قوات الأمن، ويضعون حدًا لكل من يعارض مصالحهم". وفي حقيقة الأمر هي السياسات التي تتبعها حكومة الرئيس التركي مع معارضيه وكل من يُحاول التعبير عن رأيه ويكون مُخالفًا لتوجهاته.
في إطار ما سبق نرى اهتمام الجانبين بالحديث حول نقاط بعينها، الأمر الذي يُشير إلى سيرهما على الدرب ذاته لتحقيق أهداف بعينها لخدمة السياسات التركية والقطرية، خاصة في ظل ما تُعاني منه البلدين من علاقات متردية مع غالبية دول المنطقة، وتورطهما في احتواء العناصر الإرهابية والهاربة من جماعة الإخوان التي باتت تُصنف في عدد من دول العالم "إرهابية"، ويبدو أنهما يُحاولان تحسين الأجواء بينهما ودول المنطقة بعد أن تردت الأوضاع بينهما إلى حد كبير، إضافة إلى مخاوف تركية بعد فوز جو بايدن والذي عُرف بعلاقاته المتدهورة مع أردوغان بسبب سياساته.