في بداية حياتي الجامعية بكلية الآداب جامعة القاهرة أقنعني شاعر النوبة الراحل محي الدين صالح بالانضمام لرابطة الأدب الإسلامي العالمية التي أسسها الداعية والمصلح الهندي مولانا أبو الحسن الندوي (1914-1999)، وكان مقرها بجمعية الشبان المسلمين في شارع رمسيس، ثم انتقلت بعد ذلك لمقر مستقل بحي عابدين.
كانت المعركة القديمة الجديدة بين المثقفين والأدباء حول رفض مصطلح الأدب الإسلامي، باعتبار أن الأدب إنساني في الأساس، ولا يمكن ربطه بدين معين، واقترح البعض حلا ذلك بتسميته "أدب الشعوب الإسلامية"، وقد حضرت معركة في رابطة الأدب الإسلامي حول اعتبار الشاعر والفيلسوف الهندي البنغالي رابندرانات طاغور (1861-1941) شاعرا إنسانيا أم إسلاميا؟
تزعم الفريق القائل بأن طاغور ينتمي للأدب الإسلامي الشاعر الدكتور عبده زايد، والدكتور المؤرخ عبد الحليم عويس، والكاتبة سهيلة الحسيني، بينما رأيت ومعي عدد من أعضاء الرابطة أن طاغور مدرسة إنسانية مهما كانت ديانته حيث كان والده يفندرانات من كبار روحانيي البنغال، ملقبا بالقديس وكان زعيما روحيا لطائفة البراهمة، فترعرع طاغور على الصلوات، وهي تنشد بأعذب الألحان الصوفية الشجية، لذا جاءت نشأة طاغور دينية، لكنه تجازوها إلى البعد الإنساني العالمي في أشعاره وكتاباته.
لقد زار طاغور صاحب نوبل في الأدب (1913) مصر والتقى أمير الشعراء أحمد شوقي (ديسمبر 1926)، وزار الأزهر والتقى الإمام الأكبر الدكتور مصطفى عبد الرازق وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، كما زار الصين واليابان، واستمد منها كتابه " اليراعات" وهو عبارة عن مجموعة أمثال وحكم وأقوال مأثورة كتبت في الأصل على قطع من الحرير في الصين واليابان التي زارها طاغور وجمعها في مفكرته، ونشرت بالإنجليزية لأول مرة في عام 1928، وتحمل في مضمونها صورا عن الحب والحياة والجمال والمقدس.
" آمن طاغور بالإنسان أولا وقبل كل شيء وهو القائل "مهما يكن من شيء فإني لن أرتكب الخطيئة الخطيرة: خطيئة فقدان الإيمان بالإنسان، والرضوخ للهزيمة التي حاقت بنا في الوقت الحاضر على اعتبارها نهائية وحاسمة ".
ومن منطلق إيمانه بالإنسان قام طاغور بدراسة الاديان وترك لنا دراسة مهمة بعنوان “دين الإنسان" وفيها يقول طاغور "إن كل طفل يولد في عالمنا هذا هو آية حية تقول لنا إن الله لا ييأس من بني الإنسان".
إن المعركة لا يجب أن تكون في مصطلح قيم دينية أو إسلامية أو بوذية أو هندوسية وما تلك إلا قيم إنسانية، لكن الأساس في الجدال ينبغي أن يكون حول من يطبق القيم بشكل عملي، ويؤمن بالإنسان كما آمن به طاغور. أفلا تعقلون؟