لا أعرف لماذا اختفى أصحاب المشاريع الموسوعية الكبرى التي كانت تصلنا بتراث وفكر الشعوب الآسيوية، فلم نعد نشهد باحثا يعكف على إتمام ترجمات وأعمال الشعوب الأخرى، مثلما كان يفعل المرحوم الدكتور حسين مجيب المصري (1916-2004) رائد الدراسات الشرقية المقارنة، الذي أنفق عمره في الدراسات الشرقية. ويرجع الفضل للناشر المخضرم فتحي نصار فى إعادة نشر أعمال حسين مجيب المصري، وتوزيعها على الشعوب الإسلامية في آسيا، وقد كنت في بداية التحاقي بالدراسات العليا بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 2001، عاكفا على قراءة تلك الاعمال، لولا انشغالي بالصحافة التي غيرت مسار دراستي الأكاديمية من الأدب إلى فلسفة الدين.
ولد حسين مجيب المصري في حي شبرا بقصر جدته ابنة محمد ثاقب باشا- الذي كان وزيرا في حكومة الخديوي إسماعيل، وكان والده عميدا لدار العلوم في عام 1919، وقد مات وحسين في الثالثة من عمره. وكان مولعا بدراسة وقراءة أدب الشعوب الآسيوية منذ كان عمره 13 عاما.
وبالرغم من أنه فقد بصره أثناء إعداده الدكتوراة، إلا أنه استطاع أن يجيد ثماني لغات، ترجمة وكتابة، منها الفارسية والتركية والأوردية والروسية وغيرها. وقد فتحت تلك اللغات آفاقا ومعلومات واسعة، جعلت المصري مرجعا في حد ذاته، وليس مجرد وسيطا ناقلا لآداب وتراث الشعوب الآسيوية.
عكف المصري على دراسة اللغات الشرقية منذ عام 1935، وقد كتب ديوانا باللغة الفارسية "صبح" طبع في باكستان 1977، كما كتب ديوانا بالتركية بعنوان "زهرة زابلة". وألف عددا من المعاجم في تلك اللغات الشرقية، كما قضى 30 عاما يقوم بتعريف العالم بشاعر باكستان الأكبر" محمد إقبال" وكذلك تعريف العالم بالشاعر الهندي أسد الله غالب وغيرهما من شعراء وأدباء وكتاب آسيا وترك لنا 70 كتابا ومعجما وموسوعة وعشرات الدراسات والبحوث العلمية. ومن أهم مؤلفاته: إقبال والعالم العربي، إقبال والقرآن، الأندلس بين شوقي وإقبال، مصر في الشعر التركي والفارسي، كربلاء بين شعراء الشعوب الإسلامية والمسجد بين شعراء العربية والفارسية والتركية والأوردية: دراسة في الأدب الإسلامي المقارن، كما ترك سيرة ذاتية بعنوان: "أيامي بين عهدين".
كان مذهب حسين مجيب المصري يقوم على ترجمة مقارنة يظهر خلالها خصائص كل طرف، ويعلم القارئ العربي ما لم يكن يعلم من تراثه الإسلامي من شعوب أخرى غير العربية، وقد نجخ في إبراز مظاهر الوحدة والمشتركات الإنسانية بين العرب وشعوب آسيا.
كان المصري متأثرا بالنزعة الصوفية الرمزية في تراث الشعوب الآسيوية، بل إن كتابته وأشعاره نفسها تأثرت بتلك الروح وخصوصا ترجماته لأشعار مولانا جلال الدين الرومي وعمر الخيام وعمر ابن الفارض ومحمد إقبال و مير درد الدهلوي و يونس أمره و آخرين، فكانت كتابات حسين مجيب المصري، بمثابة عروج صوفي نحو الأسمى، وأن الإنسان يشاهد الله في جماله المتجلي، فاستخدم الشمعة والمريد والدرويش وروضة الأسرار والإنسان الكامل، النفس الكلية، وغيرها من المصطلحات الصوفية.
أسهم الدكتور حسين مجيب المصري في إبراز صورة الإسلام الروحانية الحقيقية، والقيم الإنسانية المشتركة، ومنها التسامح والحوار بين الأديان والعلاقة مع الآخر، التى تقوم على حوار االحياة والتعاون والفهم المشترك، وقدم المصري آداب وتراث الشعوب الإسلامية في آسيا، وكيف تأثر وأثر الإسلام في البيئة المحلية وفي الثقافات الآسيوية، وهي الصورة الحضارية التي سعت لتزييفها حركات الإسلام السياسي هناك، التي - مع للأسف، انتقلت إلى آسيا من الشرق الأوسط.. أفلا تعقلون؟