ما بين الجيزة، المتداخلة مع العاصمة، وأسيوط في قلب الصعيد، لا اختلاف في أقسام ومراكز الشرطة، هنا وهناك، تلاحظ إذا كنت متابعا ومحللا للشأن الأمني، طفرة كبيرة جدا، في الشكل والمضمون، سواء في الشق النظامى بقيادة المأمور ونائبه، أو في الشق البحثى متمثلا في رئيس المباحث ومعاونيه.
ما بين الجيزة وأسيوط لم ألحظ فرقا، على مستوى القيادات، اقصد مدير الأمن ومدير المباحث، وفى المحافظتين لم ألحظ فرقا بين قسم شرطة الهرم ومركز شرطة أبوتيج، وأركز حديثى على المنشأتين كنموذج لباقى الأقسام والمراكز.
ولطبيعة عملى تواجدت في قسم شرطة الهرم وفى مركز شرطة أبوتيج، تعاملت مع الشرطة النظامية، وتعاملت مع رجال المباحث، ودققت في أسلوب التعامل مع المواطن بداية من دخوله المنشأة الشرطية، وانتهاء بمغادرته من وحدة المباحث أو الاستيفة، ودونت ملاحظات عديدة وقارنت المشاهد الحالية بالماضى وتأكدت بأن تغييرا كبيرا حدث، ويتحسن بشكل مطرد، في الشكل والمضمون.
في الشكل بدت المنشآت الشرطية أكثر نظاما ونظافة، وتقنية، فمثلا لم تعد المحاضر بخط اليد بل مكتوبة على الكمبيوتر، وتحرر بأسبقية الوصول، لا أحد يحرر محضره قبل من سبقه في البلاغ، وفى المضمون يتعامل كل رجال الشرطة من جنود وأفراد وصف وضباط، نظاميين ومباحث، بشكل عالى من الرقى والإنسانية، لن تسمع صوت يرهب المواطن كما كان قبل سنوات، ولن تسمع سب ولا قذف، ولا مجاملات، ولا وساطة على حساب الحق والمساواة.
في أقسام ومراكز الشرطة تجد غرفا مكتوب عليها "حقوق الإنسان" تستمع لشكاوى المواطنين بكل جدية، وأخرى مكتوب عليها "لجان صلح" تضم عقلاء من المواطنين يصلحون بين المتخاصمين بشكل عرفى، وفى المجمل تجد كاميرات تنقل ما في المنشئات الشرطية إلى القيادات الأمنية.
كانت ملاحظتى الأهم في جولاتى هي حالة الإرهاق الشديدة على أوجه رجال المباحث ولما لا وهم يعملون تقريبا طوال اليوم ففى الصباح الباكر يتوجهون لمكاتبهم ومنها ينطلقون في حملات ومأموريات، ويستمر عملهم حتى السادسة مساء ليستريحوا إذا لم يكن هناك ما يمنع ثم يعودون في التاسعة ليلا ويستمرون في عملهم حتى الفجر وأحيانا يواصلون العمل بين الفترتين.
يعتقد البعض أن ضابط المباحث يجد لذة عند استعمال سلطته القانونية مع المواطنين، لكن المتخصص في الشأن الأمنى يلحظ بسهولة كم المعاناة التي يعيشها، ولا أبالغ إن قلت الاكتئاب، لفت نظرى هذا بشكل واضح وعندما فكرت وجدت نفسى وأنا المتخصص في قطاع الجريمة أعانى توترا شبه مستمر بفعل طبيعة الأحداث التي أتعرض لها بالنشر أو الحديث، فما بين قتل وسرقة واغتصاب وسجن ومحاكم تتمحور حياتى المهنية، في حين أجد زميلى الصحفى المتخصص في الفن مثلا في غاية البهجة، اللهم لا حسد.
قلت لنفسى إذا كان الأمر صعبا بالنسبة لى كصحفى متخصص في الشأن الأمنى فما بالك بأناس كل حياتهم المهنية في الجريمة، يشاهدون الدماء يوميا، ويستمعون لقصص أغرب من الخيال، يتعاملون مع اللصوص والقوادين، يعاينون الجثث ويعرضون نفسهم لخطر الموت وهم يلاحقون قاتلا أو هجاما.
إن رجالا بهذه المواصفات يستحقون كل الدعم من المواطنين، فبدنوهم لا أمن ولا استقرار ولا اقتصاد ولا أعمال ولا شيء، بدون رجال الأمن اللذين يعانون ويقضون معظم حياتهم بعيدا عن أسرهم وعائلاتهم لن تنعم أنت بحياتك.
كل التقدير لرجال الشرطة في الجيزة وأسيوط وفى كل أرجاء الوطن، وعاشت مصر حرة آمنة برجالها الشرفاء البواسل الأبطال في قواتنا المسلحة وجهاز شرطتنا.. ودمتم أعزاء.