يمتلئ التاريخ المصرى بصفحات كثيرة مضيئة بالفعل، من أجملها ما حدث فى عام 1908 عندما تم افتتاح الجامعة الأهلية في مصر، تلك التى نسميها الآن "جامعة القاهرة" المشروع الأعظم الذى أدخل البلاد والعباد إلى دائرة حقيقية من المعرفة والتواصل مع العالم.
فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين رزق الله مصر رجالا أحبوها بالفعل، عملوا على دفعها للأمام، ورهنوا أنفسهم لتقدمها ونهضتها، وكان من حلمهم إيجاد جامعة كبرى مثل تلك التى رأوها فى بلاد الغرب كان من هؤلاء الإمام محمد عبده، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وقاسم أمين، وسعد زغلول، ولا ننسى فضل الأميرة فاطمة إسماعيل، وغيرهم الكثير، حتما هناك شخصيات أخرى لم يمنحها التاريخ حقها.
ووجبت هنا الإشارة إلى أن فكرة الجامعة العربية واجهت رفضا وتعنتا ملحوظا من السلطات الإنجليزية التى كانت تحتل مصر، فاللورد كرومر كان يعرف جيدا أن وجود طبقة مثقفة ومتعلمة بمناهج صحيحة سوف يعمل على نهضة الأمة وبالتالى الوقوف فى وجه المحتل، وهو ما حدث بالفعل.
ما أريد قوله أن الأمر عندما حدث قديما لم يكن مجرد مبانٍ تعليمية، إنها إصرار على النهضة على سلوك طريق العلم للخروج من سنوات الظلام، فالجامعة لم تكن "وجاهة" بحث عنها مجموعة من الوطنيين، لكنها رغبة حقيقية فى الدخول بالوطن دائرة "حقيقية" لإنتاج المعرفة، والمعرفة هي المادة التي تقتات عليها الحضارات.
112 عاما مرت على هذا الحث العظيم، وأعتقد أن ذلك فرصة جوهرية كى نلقى نظرة جديدة على التعليم فى مصر، وأن نسأل أنفسنا: كيف نشعل مرة أخرى فتيل الشغف للتعليم وكيف نمنح أبناءنا الثقة المطلوبة للبحث والسعى وراء نهضة مصر.