الخبر الجيد أن مجلس الوزراء أحال قانون تنظيم الإعلام للبرلمان لمناقشته وإقراره، بعد أن أدخل كما يقال تعديلات طفيفة على المشروع الذى أعدته لجنة الخمسين، وهى لجنة مستقلة من الصحفيين والإعلاميين، لكن الحلو ما يكملش!! لأن جدول أعمال البرلمان مزدحم، وهناك توقعات بأن البرلمان لن يتمكن من مناقشة وإقرار القانون فى الدورة البرلمانية الحالية، وربما يتأجل نظر القانون إلى الخريف المقبل، ولا شك أن التأجيل يعنى مزيدا من الفوضى، وانهيار المهنية فى إعلامنا الذى يعمل بدون تشريعات وتنظيمات ضابطة، وببعض القوانين القديمة التى لا تصلح، لأنها لا تقنن أوضاع الإعلام الخاص، ولا تتماشى مع التطور الكبير فى تكنولوجيا الاتصال والإعلام.
طبعا من الأفضل أن يناقش البرلمان قانون الإعلام الجديد، ويدخل فيه تعديلات قبل إصداره، لأن مشروع لجنة الخمسين به عيوب هيكلية سبق وأن كتبت عنها، أهمها: أولًا: منح مشروع القانون سلطات واسعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهيئتى الصحافة والإعلام السمعى والبصرى، من دون أن يضع ضمانات وآليات للرقابة المجتمعية على أعضائها تمنع تحول أعضاء هذه الهيئات إلى أقلية مستبدة أو مستفيدة ماليًا وإعلاميًا، ولدى شخصيًا مخاوف مشروعة من اختيار أعضاء الهيئات الثلاث من ديناصورات الصحافة والإعلام، لذلك أقترح تعيين نصف الأعضاء على الأقل من شباب الصحفيين الذين أمضوا فى ممارسة المهنة 10 سنوات على الأقل.
ثانيًا: لا توجد آليات لضمان الاستقلال المالى لهيئات الإعلان الثلاث عن الحكومة، فقد نص القانون على الحصول على دعم سنوى من الموازنة العامة للدولة، والحصول على نسب من منح التراخيص والتصاريح وعائد البحوث والدراسات مع ضمان عدم تضارب المصالح، وهو أمر مُحير ولا تحدده قواعد، فكيف تحصل الجهة التى تمنح التراخيص أو تقدم خدمات البحث والتدريب على نسبة مالية، ونضمن فى الوقت ذاته عدم تعارض المصالح؟
ثالثًا: نص مشروع القانون على تفرغ أعضاء الهيئات الثلاث وتجميد نشاطهم الحزبى، لكنه لم يوضح هل يحق لهم الظهور فى الإعلام كضيوف، أو تقديم استشارات إعلامية أم لا؟، وهى أمور مهمة للغاية لضمان عدم تضارب المصالح. والغريب أن القانون منح الحق لكل هيئة فى وضع النظم المالية والرواتب والمكافآت الخاصة بها، من دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية، وهو ما يثير تساؤلات حول هل سينطبق على أعضاء الهيئات الثلاث الحد الأعلى للأجور المعمول به فى الحكومة والقطاع العام أم لا؟
رابعًا: يميز المشروع بين الإعلام الخاص والعام، حيث اهتم بأوضاع وحقوق الصحفيين العاملين فى الصحف القومية والقنوات العامة، ولم يهتم بزملائهم العاملين فى الصحف والقنوات الخاصة، كما منح الصحف القومية امتيازات هائلة، منها الحق فى الاستثمار والاستيراد وغيرهما، وهى أنشطة تتجاوز قدرات وخبرات الصحف الخاصة، كما أن التجارب السابقة أثبتت فشل وفساد أغلب المشروعات الاستثمارية التى قامت بها المؤسسات الصحفية القومية.
خامسًا: المبالغة فى وضع اشتراطات مالية لإصدار الصحف الورقية والصحف الإلكترونية ومواقع الإنترنت، فقد اشترط ألا يقل رأس مال الشركة المدفوع عن ثلاثة ملايين جنيه إذا كانت الصحيفة يومية، ومليون جنيه إذا كانت أسبوعية، و500 ألف جنيه إذا كانت شهرية، و500 ألف جنيه للصحيفة الإلكترونية، و500 ألف جنيه للصحيفة الإقليمية اليومية، و200 ألف جنيه للأسبوعية، و100 ألف جنيه للشهرية، وذلك لضمان حقوق العاملين، وهى حجة مردود عليها، حيث كان من الممكن إنشاء صندوق لمساعدة العاملين فى الصحف المتعثرة ماليًا.
سادسًا: التضييق الشديد على الإعلام الجديد، حيث ينص مشروع القانون على ألا يقل رأسمال المحطة أو القناة التلفزيونية الرقمية على «الويب» عن نصف مليون جنيه. كما وضع غرامات لا تقل عن ربع مليون جنيه ولا تزيد على نصف مليون جنيه لكل من قدم بثًا رقميًا من دون ترخيص، ما يعنى أن مشروع القانون يحاصر الإعلام الجديد، وصحافة المواطن، ويحارب مبادرات الشباب لتقديم إعلام حر وبكلفة زهيدة، وقادر فى الوقت ذاته على مقاومة سطوة الإعلان، وهيمنة المؤسسات الإعلامية الكبيرة.
سابعًا: فتح مشروع القانون الباب للاستثناءات والتمييز بين الصحفيين، فقد نص على جواز تمديد خدمة الصحفيين فى الصحف المملوكة للدولة إلى أن يبلغوا 65 عاما، وكذلك جواز الجمع بين منصبى رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير فى حال الضرورة، من دون توضيح ماهية وشروط حالة الضرورة.