أؤكد أن الجولة المفاوضات سد النهضة التى بدات اليوم فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا سوف تفشل ككل الجولات السابقة، وان علينا أن نعترف أن المفاوضات مع الجانب الاثيوبى قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن الأمر أصبح يحتم ضرورة التدخل المباشر من الرئيس السيسى واصدار أمر بتجميد المفاوضات، وعرض وثيقة (إعلان مبادئ سد النهضة) على البرلمان القادم لرفضها وسحب الاعتراف بالسد، والتعامل مع الأمر على أنه عمل (عدائى) يضر بالامن القومى المصرى، ورفع الأمر للمنظمات الدولية للتعامل معه.
فقبل انطلاق جولة المفاوضات التى تضم وزراء الخارجية والرى فى الخرطوم منذ ايام، ارسلت أثيوبيا رسالة علنية تؤكد انها ماضية فى بناء السد وانه لا جدوى من المفاوضات، واعلنت عن تحويل مجرى النيل ليمر بجسم السد ، تمهيداً لبدء تخزين مياه المرحلة الأولى وإنتاج الكهرباء، طبقاً لما هو مقرر له.
أى ان الواقع يقول انه (لا حل من خلال المفاوضات مع الجانب الإثيوبى، الذى يماطل وسيظل يماطل حتى ينتهى من بناء السد) وهو الامر الذى كان من الواجب تداركه منذ عاد وزيرا الخارجية والرى من الاجتماع السداسى الفاشل الذى عقده وزراء الخارجية والرى فى كل من مصر والسودان وإثيوبيا، الذى عقد بالعاصمة السودانية الخرطوم ايضا منذ أيام، دون التوصل الى ادنى نجاح.
فالحقيقة التى لا نريد الاعتراف به حتى الان، اننا فشلنا فى إدارة ملف المفاوضات منذ ما بعد ثورة يناير، واستمر هذا الفشل فى عهد مرسى ثم عصر السيسى، وان عباقرة المفاوضات قد ورطوا الرئيس فى توقيع صكًا واعترافًا بالموافقه للجانب الاثيوبى على بناء السد، دون أن نضمن لأنفسنا أية حقوق بموجب وثيقة (إعلان مبادئ سد النهضة) التى وقعها الرئيس السيسى فى 23 مارس الماضى، خلال القمة الثلاثية التى جمعته فى مع الرئيس السودانى عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ديسالين، حيث أكد الاتفاق على عدم المساس بالاتفاقيات التاريخية لمياه النيل، دون أن نضمن تقديرًا لحصص المياه أو استخداماتها، حيث اقتصر النص فقط على ملء وتشغيل السد، على أن يعقب الاتفاق اتفاقات أخرى، فى الوقت الذى لم يطرح فيه عباقرة الوفد المصرى، ضرورة إصرار مصر على أن تكون موافقتها على بناء السد مشروطة بضمان المكاتب الاستشارية، وألا تكون هناك أى أضرار على مصر، مع ضمان لكامل حصتها من المياه من خلال معاهدة جديدة.
والحقيقة الواقعة التى لا نريد أن نعترف بها أيضًا، أن السد أصبح أمرًا واقعًا، وأن البناء مستمر وبشكل أسرع مما نتخيله، لدرجة أن الإنشاءات تعدت فيه نسبة الـ 60% طبقا صور الاقمار الصناعية التى تم الكشف عنها منذ ايام، وأن إثيوبيا ستفتتح المرحلة الأولى من السد فى أكتوبر 2016، وستفتتح السد نهائيًا فى أكتوبر 2017، وإن عمل المكتب الاستشارى سوف يستغرق 15 شهرًا، أى سينتهى بعد افتتاح المرحلة الأولى، ولو افترضنا أن المكتب الاستشارى أقر بأن هناك أضرارًا على مصر، فإنه لن يكون أمامنا سوى المطالبة بالتعويض الوارد فى إعلان المبادئ، الذى أكد إعلان المبادئ على أنه (فى حالة ثبوت الضرر يتم النظر فى التعويض كلما سمحت الظروف) أى أنه ليس مؤكدًا أن نحصل حتى على تعويض إلا إذا سمحت الظروف.
كذلك يجب الاعتراف بأن إسرائيل التى تستثمر نصف مليون فدان فى إثيوبيا، وتسيطر على مشروعات تطوير شبكات الرى والصرف بها، قد تعاقدت مع الإثيوبيين على نقل كهرباء السد مناصفة مع الشركة الصينية.. وأن وزير الرى حسام المغازى قد فشل فى إدارة الملف، وأنه طلبه بإشراك (الخارجية، والتعاون الدولى، والمخابرات العامة) حتى لا يتحمل مسؤولية الفشل بمفرده.
الواقع يؤكد أننا أصبحنا فى ورطة.. وأن السد الذى لم تستطع إثيوبيا أن تقدم على وضع طوبة فيه خلال عهد مبارك، أصبح الآن، أمرًا واقعًا.. وأنه لا جدوى من المفاوضات.
وأنه لم يعد أمام مصر طبقًا لآراء العلماء سوى (إلغاء وثيقة إعلان المبادئ)، التى وقعها الرئيس فى غيبة البرلمان، وعرضها على مجلس النواب القادم بمجرد انعقاده، طبقًا لنص المادة 156 من الدستور المصرى، التى تحتم عرض كل القوانين والاتفاقيات التى تم توقيعها فى غيبة البرلمان خلال الـ 15 يومًا من انعقاده (ورفض الوثيقة) حتى تكون وفقًا للقانون الدولى (مُلغاة)، وبذلك تسحب مصر اعترافها بالسد.
ثم نبدأ فى التعامل مع الأزمة على أنها (عمل عدائى) يضر بمقدرات وحياة المصريين، ونلجأ إلى المحكمة الدولية فى لاهاى، للحصول على حكم نضمن به حصة مصر من مياه النيل.. أو نلجأ للأمم المتحدة مباشرة، استنادًا إلى أن إثيوبيا خالفت القانون الدولى للمياه، لأنها لم تُخطر مصر مسبقًا قبل الشروع فى البناء، إلى جانب مخالفتها للقانون الدولى، واتفاقات الأمم المتحدة المنظمة لبناء السدود، فيما يتعلق بدول المنبع، حيث أقامت سدًا مرتفعًا للغاية يضر بدول المصب، حيث تشترط الاتفاقات الدولية أن السدود بدول المنبع منخفضة ولا تضر بدول المصب.
الوضع بالفعل خطير.. ولا مفر من من قرار سيادى بتجميد المفاوضات، وإلغاء وثيقة إعلان المبادئ، وسحب الاعتراف بالسد، والتعامل مع الأمر على أنه عدائى، وإلا فالقادم أخطر، ولا جدوى من الاستمرار فى المفاوضات.