الإعلام الفرنسى يسعى لإنقاذ بطولة الأمم الأوروبية
منذ أن أعلنتها «سى أن أن» كفرضية محتملة، أصبحت شائعة انتحار قائد طائرة مصر للطيران المنكوبة بمثابة طوق النجاة لفرنسا ومصالحها الاقتصادية وصورتها كدولة تتمتع بأعلى معدلات الأمان العالمى، فالشائعة التى يتم طرحها فى وسائل الإعلام الفرنسية والأمريكية على استحياء حاليا وبشكل غير مؤكد وسط افتراضات متعددة تفسر لماذا سقطت الطائرة فى البحر؟، يبدو أنها تدريجيا ستتحول إلى الاحتمال الأرجح فى نظر الإعلاميين والمحللين الغربيين لحماية المصالح الفرنسية الاقتصادية والأمنية.
اهتزاز الثقة فى الأمن الفرنسى وإعلان اختراق مطار بحجم وأهمية شارل ديجول أمنيا من قبل الإرهابيين، يعنى مجموعة من الكوارث ليس لفرنسا وحدها ولكن لكل الدول الأوروبية، ولو تم إلغاء أو تأجيل بطولة الأمم الأوروبية المقرر إقامتها خلال يونيو المقبل فى باريس بعد حادث الطائرة خوفا من وقوع أحداث إرهابية، ستتحول أوروبا كلها إلى ميادين للإرهاب وستسود حالة من الذعر تعصف باقتصاديات الدول الأوروبية.
وسائل الإعلام والخبراء الفرنسيون والغربيون يدركون ذلك جيدا ويسعون جادين لإنقاذ فرنسا وأوروبا من هيمنة شبح الإرهاب على مقدرات الحياة هناك. وهم مستعدون لفعل أى شىء فى سبيل ذلك، بغض النظر عن الحقيقة المجردة فى كارثة الطائرة المصرية المنكوبة، فالمؤكد أن فرضية انتحار قائد الطائرة، المقرر أن تتضخم خلال الأيام المقبلة، هى الحل الذهبى لفرنسا والدول الأوروبية للخروج من أزمة الطائرة بأقل الخسائر، ومن الممكن تدعيم وتسويق تلك الفرضية عبر اقتناص كلمة أو جملة لقائد الطائرة، بعد العثور على الصندوق الأسود، لتكون هى المفتاح للمحللين والخبراء الأمنيين لتسويق قصة الانتحار.
لا تستغربوا قولى ولا تعتبروه من قبيل حديث المؤامرة، فقد اعتبر الأمريكان سابقا أن مجرد نطق الكابتن جميل البطوطى مساعد الطيار بعبارة «توكلت على الله» فى رحلة مصر للطيران رقم 990 عام 1999، التى سقطت بعد إقلاعها من الأراضى الأمريكية باتجاه القاهرة وعلى متنها سبعة عشر عسكريا مصريا دليلا على انتحاره، أو دليلا على تعمده السقوط بالطائرة التى تحمل مجموعة من خيرة شبابنا فى تخصصات عسكرية نادرة.
هذه هى طبيعة التفكير الغربى، عندما يريد أن يلوى عنق الحقيقة، يكفى أن يستند إلى فرضية هزيلة أو مستحيلة التصديق، لتبدأ آلته الإعلامية الجبارة فى الترويج وغسيل الأدمغة، ومن ورائها سياسيون مخاتلون وضغوط دولية وتحالفات لا تعرف الأخلاق، ولا تعترف بالحقيقة، وهنا لابد من طرح السؤال: إذا كانت السلطات الفرنسية وقواها الناعمة تدافع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية بشراسة بعيدا عن الموضوعية والحقيقة، فهل ندافع بالمثل عن مصالحنا بنفس القوة، مع ملاحظة أننا أصحاب حق؟
أقول إن من واجبنا الآن أن نتوقف عن اعتماد السخرية العدمة والمعارضة المراهقة وترويج الشائعات دون نظر مثل الحمير التى تحمل أسفارا، ونغرق فى سفاسف الأمور ونضخمها ونعتبرها هى القضايا الحقيقية التى تعنينا، بدلا من تبنى قضايانا الكبرى والدفاع عنها وحماية أدمغة البسطاء من أشكال الاختراق أو ترويخ الأخبار المغلوطة التى تهدد مصالحنا المباشرة؟
لم نر حتى الآن نقاشا جادا من الأفندية المثقفين والإعلاميين حول الخطاب المسموم الذى يتم بناؤه غربيا حول طائرة مصر للطيران واقتراحات إجهاضه وفضحه قبل أن يصبح تيارا إعلاميا قويا يتبناه سياسيون ونشطاء على مستوى العالم، وقبل أن تسود الصورة النمطية الكاذبة عن طيارينا الوطنيين وشركتنا الوطنية، رغم مهارتهم المشهود لها عالميا.
متى نتحرك باعتبارنا النخبة النشطة وصناع الرأى العام لصالح بلدنا وقضاياه العادلة؟ على الأقل لنتعلم من الفرنسيين ومواقفهم من حادثة طائرة مصر للطيران!