الإعلاميون تخلوا عن المهنية وارتدوا العباءة السياسية فغرقت المهنة فى وحل «الشك»
نقرها حقيقة صادمة، تراجع دور الإعلام المصرى وانهار أداؤه المهنى، وأصبح يمثل عبئا خطيرا على الأمن القومى المصرى بمفهومه الشامل، من خلال نشر معلومات مغلوطة وغير محققة، وتحول عدد من المنابر الإعلامية إلى منصة مدافع بدلا من أن تطلق «داناتها» نحو الأعداء، انحرفت بمسارها 360 درجة لتصوب فى صدر الدولة المصرية، ومع تعدد التجارب من حولنا فى تناول الإعلام لقضايا أوطانها المتقدمة والمستقرة ديمقراطيا، وتمثل قبلة الحريات فى العالم، وجدناها تساند دولها، وتدافع عنه ضد المخاطر، مثلما حدث أمام أعيننا مرتين فى فرنسا.
وجدنا الإعلام الفرنسى يقف حائط صد يدافع بجسارة عن بلاده، عندما نال الإرهاب الأسود من قلب باريس، وشاع الرعب بين المواطنين، ولم نجد منبرا إعلاميا واحدا يشذ عن القاعدة، الجميع يصطف ويدعم ويساند نظام بلاده، ويُعلى من شأن أمن وأمان واستقرار وطنه، دون أن تتشفى، أو توظف الحدث لصالح تيار بعينه، وتوجه الانتقادات اللاذعة والخشنة للحكومة وتتهمها بالتقصير، وسط ألسنة النار الملتهبة، كما وجدنا أيضا كل المنابر الإعلامية الفرنسية تصطف من جديد خلف دولتهم، ونظامها السياسى، بعد سقوط الطائرة المصرية التى أقلعت من مطار شارل ديجول، وبدأت فى وضع سيناريوهات حول أسباب الحادث المفجع، جميعها تنجو بفرنسا من الوقوع فى نيران الاتهامات بأنها وراء الحادث، سواء بالإهمال أو التعمد أو التقصير الأمنى، لعلمها بأن أى اتهام يطول فرنسا فى كارثة الطائرة المصرية المنكوبة سيكون عواقبها وخيمة على استقرار وأمن بلادها، وبث الخوف والرعب فى قلوب مواطنيهم، والأهم، التأثير على السياحة إذا علمنا أن باريس قبلة السياحة فى العالم، بالإضافة أيضا إلى الخوف من تأثير الحادث على الحدث الأهم المسيطر على الفرنسيين حاليا، وهو إقامة بطولة كأس الأمم الأوروبية على أراضيهم، الذى يعد ترويجا سياحيا عظيما، يأملون أن يعوض الموسم السياحى الحالى الذى تأثر بتفجيرات باريس الأخيرة.
هنا ندرك ومن خلال تناول الإعلام الفرنسى، للحوادث الإرهابية التى تقع فى بلادهم، أن تغليب الأمن القومى الفرنسى بمفهومه الشامل، وكبت شهوة الانفرادات الصحفية والإعلامية، تحتل أولوية أولى فى سياستهم التحريرية، وعدم الانسياق وراء تحقيق نصر شخصى يتضاءل أهميته وجدواه فى حالة إذا ما نالت المخاطر الجسيمة من أمن واستقرار بلادهم، وعلمهم أيضا بأن أى كارثة تهدد الوطن، سيسدد ثمنها الإعلام قبل المواطن العادى، وهى معادلة سوية وصحيحة، هدفها النفعية والتفكير البراجماتى البحت.
الدليل على ذلك الإجابة المتمخضة على أسئلة من عينة، أين المنابر الإعلامية فى سوريا وليبيا واليمن، تحديدا، وهل هناك نقابات صحفيين وإعلاميين تمارس عملها تحت الأنقاض؟ وأى مواطنين تخاطبهم ومعظم مواطنى هذه الدول فروا من نيران الإرهاب الأسود وتشردوا على حدود بلادهم وفى البحار والمخيمات؟
وتأسيسا على ما سبق عن وضع الإعلام فى مصر، فنأخذ مثالا واحدا، لنكتشف حجم المأساة، فعلى سبيل المثال، من بين مئات الأمثلة الكارثية المتطابقة، رأينا الإعلام المصرى ومن خلفه السوشيال ميديا، يورط الدولة فى قضية مقتل الشاب الإيطالى «ريجينى» بحسن نية تارة، وتحت وطأة شهوة الانفراد تارة ثانية، وبغرض خبيث تارة ثالثة، الأمر الذى استغلته وسائل الإعلام الإيطالية، ومن خلفها معظم دوائر صنع القرار فى روما للتأكيد على أن الدولة المصرية وراء مقتل «ريجينى»، أى عبث هذا الذى تمارسه عدد من المنابر الإعلامية المصرية؟ وأى كوارث يرتكبها الإعلام ضد بلاده وكأنه خنجر مسموم تم غرسه فى ظهر الوطن؟ وأى عداء يحمله بعض الإعلاميين لمؤسسات الدولة، وفى مقدمتهم مجلس النقابة الحالى؟
الإعلام المصرى ومن خلال التجارب السابقة، خاصة طوال الـ 5 سنوات الماضية، نجده ينفش عضلاته ويستأسد على الدولة، بينما أصابه الشلل الرعاش أمام الإعلام الغربى والأمريكى المعادى، ولم يستطع أن يواجه حتى الصحافة الإثيوبية فى أزمة سد النهضة، وأصبح الإعلام العربى متفوقا عليه بجدارة، ولكم فى قنوات الجزيرة والعربية وسكاى نيوز، وصحيفة الحياة اللندنية، والشرق الأوسط، دليل وشاهد قوى على خيبتنا القوية.